وهذه هي القصة الرابعة من القصص المذكورة في هذه السورة ، وردت بعد قصة أصحاب الكهف ، وقصة صاحبي الجنة ، وقصة أمر الملائكة بالسجود لآدم وإباء إبليس.
التفسير والبيان :
(وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ ، قُلْ : سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً) أي ويسألك اليهود وقريش يا محمد عن خبر ذي القرنين ، سؤال اختبار وتعنت ، فقل لهم : سأخبركم عنه خبرا مذكورا في القرآن بطريق الوحي المتلو المنزّل علي من ربي.
وقد تقدم أن كفار مكة بعثوا إلى أهل الكتاب يسألون منهم ما يمتحنون به النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقالوا : سلوه عن رجل طواف في الأرض ، وعن فتية ما يدرى ما صنعوا ، وعن الروح ، فنزلت سورة الكهف.
وذو القرنين : قيل : هو إسكندر بن فيلبس المقدوني اليوناني (١) الذي ملك الدنيا بأسرها قبل الميلاد بنحو ٣٣٠ سنة باني الإسكندرية ، وتلميذ أرسطو الفيلسوف المعلّم الأول ، حارب الفرس ، واستولى على ملك دارا وتزوج ابنته ، ثم سافر إلى الهند وحارب هناك ، ثم حكم مصر ، وإنما سمي ذا القرنين ؛ لأنه بلغ قرن الشمس من مطلعها ، وقرن الشمس من مغربها ، فغلب على أكثر البلاد شرقا وغربا ، قال الشوكاني : «وهذا مشكل ؛ لأنه كان كافرا وتلميذ أرسطو» والظاهر أنه عبد صالح أعطاه الله ملكا واسعا ، وهذا ما أشار إليه القرآن في قوله تعالى :
(إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ ، وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً) أي إنا أعطيناه ملكا عظيما ، ومكّناه فيه من جميع ما يؤتى الملوك من السلطة المطلقة المدعمة بالجنود
__________________
(١) والصحيح أنه أبو كرب الحميري ، واسمه أبو بكر بن إفريقش ، من الدولة الحميرية (من سنة ١١٥ ق. م ـ ٥٥٢ ب. م) التي يسمّى ملوكها بالتبابعة جمع تبّع. والصحيح المروي عن ابن عباس أن ذا القرنين كان ملكا صالحا ، انظر مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر ٨ / ٢١٦.