(وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً ، قُلْنا : يا ذَا الْقَرْنَيْنِ : إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً) أي وجد في أقصى المغرب عند تلك العين الحمئة قوما كفّارا وأمة عظيمة من بني آدم ، فقلنا له بالإلهام : أنت مخير فيهم بين أمرين : إما أن تعذبهم بالقتل إن أصروا على الكفر ، وإما أن تحسن إليهم وتصبر عليهم ، بدعوتهم إلى الحق والهدى والرشاد ، وتعليمهم الشرائع والأحكام.
(قالَ : أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ، ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً) أي قال ذو القرنين لبعض حاشيته : أما من ظلم نفسه بالإصرار على الشرك ، ولم يقبل دعوتي ، فسنعذبه بالقتل في الدنيا ، ثم يرجع إلى ربه في الآخرة ، فيعذبه عذابا منكرا شنيعا في نار جهنم.
(وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ، فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى ، وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً) أي وأما من آمن بالله ووحدانيته وصدّق دعوتي ، وعمل عملا صالحا مما يقتضيه الإيمان ، فجزاؤه الجنة ، وسنطلب منه أمرا ذا يسر غير صعب ولا شاقّ ، ليرغب في دين الله ، ويحب فعل أوامر الله من صلاة وصيام وزكاة وخراج ونحوها ، فلا نأمره بالصعب الشاق ، ولكن بالسهل الميسر.
٢ ـ (ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً ، حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ ، وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً) أي ثم سلك طريقا آخر متجها من مغرب الشمس إلى مشرقها ، حتى إذا وصل الموضع الذي تطلع عليه الشمس أولا من معمور الأرض ، وجدها تطلع على قوم حفاة عراة ، لا شيء يسترهم من حر الشمس ، لا من اللباس ، ولا من البيوت والمباني والأشجار ، وإنما يعيشون في مفازة لا مأوى فيها ، ولا شجر ، وأكثر معيشتهم من السمك.
(كَذلِكَ ، وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً) أي إن أمر ذي القرنين كما وصفنا من قبل من اتباع الأسباب ، حتى بلغ المشرق والمغرب ، وقد علمنا حين ملكناه