وتركوا الفساد ، وأعاد إليهم ملكهم على يد ملك من ملوك الفرس ، وعمر لهم بيت المقدس ، ورد من كان في أسر بختنصّر إلى وطنهم.
ثم عموا وصموا مرة أخرى ، حيث طلبوا رؤية الله ، وقتلوا الأنبياء كزكريا ويحيى ، وحاولوا قتل عيسى بن مريم ، وعصوا أوامر الله والرسل ، فسلط الله عليهم الفرس ، ثم الرومان ، فأزالوا ملكهم وسلبوا استقلالهم.
وقوله تعالى : (كَثِيرٌ مِنْهُمْ) يشير إلى أن أكثرهم عصاة ، وأقلهم مؤمنون صالحون.
(وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ) أي مطلع عليهم ، وعليم بمن يستحق الهداية ممن يستحق الغواية منهم ، وعالم بما يدبرونه من الكيد والمكر لرسول الله صلىاللهعليهوسلم خاتم الأنبياء والمرسلين.
فقه الحياة أو الأحكام :
تكررت المعاهدات والمواثيق مع بني إسرائيل ألا يعبدوا إلا الله ، وما يتصل به ، وكل هذا يتناسب مع ما بدئت به سورة المائدة : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ).
ولكن اليهود أعداء الله والإنسانية نقضوا العهود والمواثيق ، وقابلوا الرسل إما بالتكذيب والصد والإعراض ، وإما بالقتل ، فقد كذبوا عيسى وغيره من الأنبياء ، وقتلوا زكريا ويحيى وغيرهما من الأنبياء.
وظن هؤلاء الذين أخذ عليهم الميثاق أنه لا يقع من الله عزوجل ابتلاء واختبار بالشدائد ، اغترارا بقولهم : (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) [المائدة ٥ / ١٨]. وإنما اغتروا بطول الإمهال ، فعموا عن الهدى ، وصموا عن سماع الحق ؛ لأنهم لم ينتفعوا بما رأوه ولا سمعوه. ثم تاب الله عليهم بعد الاختبار ، وكشف عنهم الغمة والكربة ، وصيرهم أحرارا بعد أن كانوا أسرى مستعبدين.