سائغي الاتباع ، شرع في ذكر القرآن العظيم الذي أنزله على عبده ورسوله الكريم ، وأبان منزلته من الكتب المتقدمة قبله ، وأن الحكمة اقتضت تعدد الشرائع والمناهج لهداية البشر بحسب الأحوال والأزمان.
التفسير والبيان :
وأنزلنا إليك أيها النبي القرآن الكريم الذي أكملنا به الدين ، مشتملا على الحق والصدق الذي لا ريب فيه أنه من عند الله : (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) [فصلت ٤١ / ٤٢] مصدقا ومؤيدا للكتب المتقدمة كالتوراة والإنجيل ، المتضمنة ذكره ومدحه وأنه سينزل من عند الله على عبده ورسوله محمد صلىاللهعليهوسلم ، وأن تلك الكتب من عند الله ، وأن موسى وعيسى رسولان من عند الله ، لم يفتريا على الله كذبا ، وإنما أنتم وآباؤكم حرفتم ونسيتم كثيرا مما أوتيتم.
والقرآن جاء أيضا مهيمنا ، أي حاكما على ما قبله من الكتب ، وشاهدا عليها بما نزل فيها ، وشاهدا لها بالصحة والثبات في أصلها ، ومبينا حقيقة أمرها ، وما طرأ عليها من نسيان وتحريف وتبديل.
قال ابن عباس وابن جريج وآخرون : (وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) : القرآن أمين مؤتمن على ما تقدمه من الكتب ، فيما إذا أخبرنا أهل الكتاب في كتابهم بأمر : إن كان في القرآن فصدقوا ، وإلا فكذبوا (١).
وإذا كان هذا شأن القرآن ومنزلته ، فاحكم يا محمد وكذا كل حاكم ، بين أهل الكتاب وبين الناس قاطبة ، احكم بما أنزل الله إليك فيه من الأحكام ، دون ما أنزله إليهم ؛ إذ شريعتك ناسخة لشريعتهم.
احكم بما في هذا الكتاب العظيم وبما قرره لك من حكم من كان قبلك من
__________________
(١) تفسير الطبري : ٦ / ١٧٢