المناسبة :
أثبتت الآيات السابقة أمر البعث ، وأن الناس يبعثون إلى دار يوفون فيها أجورهم بغير حساب ، وذكر هنا فضيلة الإنفاق في سبيل الله ، وسبل الله كثيرة ، مثل نشر العلم ومحاولة القضاء على الجهل والفقر والمرض ، وأعظمها الجهاد لتكون كلمة الله (أي دين الإسلام) هي العليا ، فمن جاهد بعد هذا البرهان على البعث الذي لا يأتي به إلا نبيّ ، فله في جهاده الثواب العظيم.
وقد رغّب القرآن الكريم في مواضع عديدة بالإنفاق ؛ لأنه وسيلة إغناء وتحقيق رفاه للجميع ، وواسطة متعيّنة لصون عزّة الأمة وكرامتها ودحر عدوان المعتدين عليها ، فما بخلت أمة بمالها إلا حاق بها الذّل والاستعباد ، وتكالبت عليها الأمم ، روى البستي في صحيح مسنده عن ابن عمر قال : لما نزلت هذه الآية ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ربّ زد أمتي» فنزلت : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً ، فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً) قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ربّ زد أمتي» فنزلت : (إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ).
التفسير والبيان :
هذا مثل ضربه الله تعالى لتضعيف الثواب لمن أنفق في سبيله وابتغاء مرضاته ، وأن الحسنة تضاعف بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، فأبان تعالى أن صفة نفقات المنفقين أموالهم في طاعة الله تعالى وابتغاء رضوانه وحسن مثوبته كنشر العلم والجهاد وإعداد السلاح والحج والدفاع عن الوطن والأهل ، كصفة حبة زرعت في أرض خصبة ، فأنبتت سبع سنابل ، في كلّ سنبلة مائة حبة ، وقد ثبت لدى متخصصي الزراعة أن الحبة الواحدة من قمح أو أرز أو ذرة مثلا لا تنبت سنبلة واحدة ، بل أكثر ، قد تصل إلى أربعين أو ست وخمسين أو سبعين ، وأن السنبلة قد تشتمل على أكثر من مائة حبة ، وقد أنبتت فعلا مائة