المحاجّة في انتماء إبراهيم :
أيها اليهود والنصارى ، لم تتنازعون في إبراهيم الخليل عليهالسلام ويدّعي كل منكم أنه كان منكم على دينه؟ كيف تدّعون أيها اليهود أنه كان يهوديا ، وقد كان زمنه قبل أن ينزل الله التوراة على موسى؟ وكيف تدعون أيها النصارى أنه كان نصرانيا ، وإنما حدثت النصرانية بعد زمنه بدهر؟
فما أنزلت التوراة على موسى ، ولا الإنجيل على عيسى إلا من بعد إبراهيم بأزمان طويلة ، قيل : كان بين إبراهيم وموسى سبعمائة سنة ، وبين موسى وعيسى حوالي ألف سنة.
لهذا قال تعالى : (أَفَلا تَعْقِلُونَ؟) أن المتقدم على الشيء لا يكون تابعا له؟ وألا تعقلون ضعف حجّتكم وانهيارها وبطلان قولكم؟
ثم أشار الله تعالى إلى جهلهم وحماقتهم في دعواهم هذه ، فقال : ها أنتم هؤلاء تجادلون وتحاجّون فيما لكم به علم ومعرفة من أمر عيسى (١) عليهالسلام مما نطق به التّوراة والإنجيل ، وقد قامت عليكم الحجّة وظهر الغلط ، فكيف تحاجّون ، وعلى أي أساس تجادلون في شأن إبراهيم عليهالسلام أنه كان يهوديا أو نصرانيا ، وليس لكم به علم ولا نزل في شأنه شيء في دينكم وكتبكم ، فمن أين أتاكم أنه كان يهوديا أو نصرانيا؟ والله يعلم ما غاب عنكم ولم تشاهدوه ، وأنتم لا تعلمون إلا ما عرفتم وعاينتم وشاهدتم أو سمعتم؟
فهذا إنكار من الله عليهم مثل تلك الدّعاوى والمحاجّة في إبراهيم والمحاجّة فيما لا علم لهم به ، وأمرهم بردّ ما لا علم لهم به إلى عالم الغيب والشهادة الذي يعلم الأمور على حقيقتها.
__________________
(١) وقال القرطبي : يعني في أمر محمد صلىاللهعليهوسلم ؛ لأنهم كانوا يعلمونه من نعته في كتابهم.