المناسبة :
أقام القرآن الحجة على النصارى في ادّعائهم ألوهية المسيح ، ثم دعا هنا اليهود والنصارى إلى أصل الدّين وروحه الذي اتّفقت عليه دعوة الأنبياء جميعا وهو توحيد الله وعبادته ، والاقتداء بإبراهيم أبي الأنبياء عليهمالسلام ؛ إذ أن ملّته ملّة الإسلام ، ولم يكن يهوديا ولا نصرانيا.
التفسير والبيان :
قل يا محمد : يا أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى جميعا ، أقبلوا وهلمّوا إلى كلمة عادلة وسطى سواء بين الفريقين اتّفقت عليها جميع الشرائع والرّسل والكتب التي أنزلت إليهم ، فأمرت بها الصّحف والكتب الأربعة : التّوراة والزّبور والإنجيل والقرآن ، وهي كلمة التّوحيد : (لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) وعبادة الله وتفويض سلطة التشريع والتحليل والتحريم إليه ، وعدم الشرك به شيئا ، وعدم اتّخاذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله ، كالوثن والصليب والصنم والطاغوت والنار.
هذه الآية حوت وحدانية الألوهية في قوله : (أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ) ، ووحدانية الرّبوبية في قوله : (وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ).
وهذه دعوة جميع الرسل إبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم ، قال الله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ : لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء ٢١ / ٢٥] وقال تعالى : (وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ ، وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) [النحل ١٦ / ٣٦].
وكان اليهود موحدين ، ولكن مفهوم الإله فيهم أصبح ليس هو الإله الحق ، واتبعوا رؤساء الدين فيما يخترعون من أحكام ، وكذلك كان النصارى موحدين وما زالوا يدعون الوحدانية ، لكنهم انتقلوا من ادعاء نبوة عيسى لله والتثليث إلى