قائلا : إنك يا رب سميع لكل قول ، مجيب لكل دعاء صالح ؛ لأن رؤية الأولاد النجباء تشوق النفس لو يكون له مثلهم.
فخاطبته الملائكة شفاها ، والمخاطب في رأي الجمهور : هو جبريل عليهالسلام (١) ، والأظهر في رأي القرطبي : ناداه جميع الملائكة ، أي جاء النداء من قبلهم.
وهو قائم يدعو الله ويصلي في محراب عبادته ، وقالت له : إن الله يبشرك بغلام اسمه يحيى : (إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى) [مريم ١٩ / ٧] وهو معرّب يوحنا ، ويطلق عليه في إنجيل متى : «يوحنا المعمداني» لأنه كان يعمّد الناس في زمانه. وهو أول من يصدق بعيسى بن مريم عليهالسلام المسمى (كلمة الله) ؛ لأنه ولد ونشأ بكلمة الله : (كُنْ) ، لا بالطريقة المعتادة من الولادة من أب وأم.
ويحيى أيضا سيد قومه ، ومعصوم من الذنوب ، ومانع نفسه من شهواتها ، ونبي يوحى إليه ـ وهذه بشارة ثانية بنبوة يحيى بعد البشارة بولادته ، وهي أعلى من الأولى ـ وهو صالح ناشئ من أصلاب الصالحين : أنبياء الله الكرام صلوات الله عليهم.
ولكن زكريا تعجب قائلا : كيف يكون لي غلام ، وقد أصبحت كبير السن ، وامرأتي عقيم لا تلد ، فأجابه الله تعالى من طريق الملائكة : كذلك الله يفعل ما يشاء ، أي مثل ذلك الخلق غير المعتاد الحاصل مع امرأة عمران ، يفعل
__________________
(١) في التنزيل : يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ يعني جبريل ، والروح : الوحي. وجائز في العربية : أن يخبر عن الواحد بلفظ الجمع. وجاء في التنزيل : الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ يعني : نعيم بن مسعود.