وقال ابن عباس وأنس بن مالك : لما افتتح رسول الله صلىاللهعليهوسلم مكّة ، ووعد أمته ملك فارس والرّوم ، قالت المنافقون واليهود : هيهات هيهات ، من أين لمحمد ملك فارس والرّوم؟ هم أعزّ وأمنع من ذلك ، ألم يكف محمدا مكة والمدينة ، حتى طمع في ملك فارس والرّوم؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية.
المناسبة :
هذه الآية بقصد تسلية النّبي صلىاللهعليهوسلم أمام موقف المشركين وأهل الكتاب بإنكار دعوته فيما ذكرته الآيات السابقة ، والتذكير له بقدرته تعالى على نصرة دينه وإعلاء كلمته ، فكان المشركون ينكرون النّبوة لرجل يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ، وأهل الكتاب ينكرون النّبوة في غير بني إسرائيل.
التفسير والبيان :
إذا أعرض المشركون وأهل الكتاب كوفد نجران عن قبول دعوتك يا محمد ، فالجأ إلى الله مالك الملك وصاحب الأمر ، وتوجه إليه وقل : يا الله ، يا مالك الملك ، لك السلطان المطلق ، وأنت المتصرف في خلقك ، الفعّال لما تريد ، ومدبّر الأمور على وفق حكمتك ، فأنت المعطي وأنت المانع ، تؤتي الملك والنّبوة من تشاء من عبادك ، وتنزع الملك ممن تشاء من خلقك ، كما نزعت النّبوة من بني إسرائيل ببعثة رسولك العربي القرشي الأمي المكي خاتم الأنبياء على الإطلاق ، ورسول الله إلى جميع الثقلين : الإنس والجن.
والظاهر المتبادر أن المراد بالملك : السلطة والتصرف في الأمور ، وأنه تعالى صاحب السلطان المطلق في تدبير الأمور وتحقيق التوازن في الكائنات.
والله يعطي من يشاء إما النّبوة فقط كهود ولوط ، وإما الملك فقط كالملوك الغابرين والمعاصرين ، وإما الملك والنّبوة كآل إبراهيم ومنهم داود وسليمان :