أسلموا ، فإن أسلموا فقد اهتدوا إلى الصراط المستقيم ، وتركوا الضلال ، وإن أعرضوا عن الاعتراف بما سألتهم عنه ، فلن يضيرك شيء ، إذ ما عليك إلا البلاغ فقط ، والله خبير بعابده عليم بحالهم وبمن يستحق الهداية ممن يستحق الضلالة ، فيحاسبهم ويجازيهم.
فقه الحياة أو الأحكام :
موضوع الآية (١٨) : إثبات وحدانية الله بالأدلة التكوينية التي أبانها الله في الآفاق والأنفس وإنزال آيات التشريع ، وأخبر الملائكة والعلماء بذلك وبينوه ، قال القرطبي : دلت الآية على فضل العلم وشرف العلماء وفضلهم ، فإنه لو كان أحد أشرف من العلماء لقرنهم الله باسمه واسم ملائكته ، كما قرن اسم العلماء. ويؤكده أنه تعالى أمر نبيه صلىاللهعليهوسلم أن يستزيد من العلم ، بقوله : (وَقُلْ : رَبِّ زِدْنِي عِلْماً). وقال صلىاللهعليهوسلم فيما جاء في السنن : «العلماء ورثة الأنبياء» وقال : «العلماء : أمناء الله على خلقه» (١). وهذا شرف للعلماء عظيم ، ومحلّ لهم في الدّين خطير (٢). روى أنس عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «من قرأ : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ ، لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) ، عند منامه ، خلق الله له سبعين ألف ملك يستغفرون له إلى يوم القيامة».
وأعلنت الآية (١٩) أن الدين المرضي عند الله هو الإسلام فقط ، والإسلام هو الإيمان بالله وإطاعة أوامره ، وهو شيء واحد متفق عليه بين جميع الأنبياء. وأما الخلاف في الدين أي الملة فحاصل من قبل الأتباع والأنصار ، حسدا وظلما. ويكون القصد من الآية نبذ الفرقة والخلاف في الدين ، والابتعاد عن التفرق فيه إلى شيع ومذاهب ؛ لأن اختلاف أهل الكتاب في نبوة محمدصلىاللهعليهوسلم كان على علم منهم بالحقائق ، وأنه كان بغيا وطلبا للدنيا ، فقد أبانت كتبهم صفته ونبوته ،
__________________
(١) رواه القضاعي وابن عساكر عن أنس ، وهو حسن.
(٢) تفسير القرطبي : ٤ / ٤١