(رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً ، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً ، وَقِنا عَذابَ النَّارِ) [البقرة ٢ / ٢٠١].
فقه الحياة أو الأحكام :
الآية توبيخ لمعاصري محمد صلىاللهعليهوسلم من اليهود وغيرهم ، ممن صرفتهم الأهواء والشهوات عن اتباع دعوة الإسلام ، فإذا أراد الإنسان النجاة من حساب الله يوم القيامة ، ابتعد عن مزالق الشهوات الممنوعة ، فإن اتباع الشهوات مرد في النار ومهلكة ، جاء في صحيح مسلم عن أنس : «حفّت الجنة بالمكاره وحفّت النار بالشهوات» والمعنى أن الجنة لا تنال إلا بتجاوز المكاره وبالصبر عليها ، وأن النار لا ينجى منها إلا بترك الشهوات وفطام النفس عنها.
والشهوات المذكورة في الآية هي التي يحدث فيها الإفراط أو المغالاة أو التي تكون سببا للتفريط في الواجبات الدينية ، فإن قصدت ضمن الحدود المعتدلة المعقولة لم تكن وبالأعلى صاحبها ، وقد تكون سببا للثواب وزيادة الأجرة إن قصد بها الخير والصون والعفاف وتسخيرها في سبيل الله ومرضاته. قال العلماء : ذكر الله تعالى أربعة أصناف من المال ، كل نوع من المال يتموّل به صنف من الناس : أما الذهب والفضة فيتموّل بها التجار ، وأما الخيل المسوّمة فيتمول بها الملوك ، وأما الأنعام فيتمول بها أهل البوادي ، وأما الحرث فيتمول بها أهل الريف والقرى.
ودل قوله تعالى : (ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) أي ما يتمتع به فيها ثم يذهب ولا يبقى ، على تزهيد الناس في الدنيا وتحقيرها ، والترغيب في الآخرة ، روى ابن ماجه وغيره عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إنما الدنيا متاع ، وليس من متاع الدنيا شيء أفضل من المرأة الصالحة». وثبت في الحديث الصحيح : «ازهد في الدنيا يحبّك الله» أي ازهد في متاعها من الجاه والمال الزائد