مهدتم لأنفسكم ، أي يا معشر اليهود ، احذروا من الله مثل ما نزل بقريش يوم بدر ، قبل أن ينزل بكم ما نزل بهم ، فقد عرفتم أني نبي مرسل ، تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله إليكم.
والآية أي الدلالة والعلامة على أنكم مغلوبون ، وأن الله معزّ دينه ، وناصر رسوله : التقاء جماعتين ، إحداهما معتزة بكثرة مالها ، مغترة بعددها ، كافرة بالله ، تقاتل في سبيل الشيطان ، وهم مشركو قريش يوم بدر ؛ والأخرى فئة قليلة العدد ، مؤمنة بالله ، تقاتل في سبيل الله ، وهم المسلمون في معركة بدر.
فقد كان المؤمنون ثلثمائة وثلاثة عشر رجلا ، معهم فرسان ، وست أدرع ، وثمانية سيوف ، وأكثرهم رجالة مشاة. وكان الكافرون نحو ألف ، أي ثلاثة أمثال المسلمين في الواقع. روى محمد بن إسحاق عن عروة بن الزبير أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، لما سأل ذلك العبد الأسود لبني الحجاج عن عدّة قريش ، قال : كثير ، قال : «كم تنحرون كل يوم؟» قال : يوما تسعا ويوما عشرا ، قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «القوم : ما بين تسعمائة إلى ألف».
لكن في رأي العين ـ وهي الرؤية المكشوفة الظاهرة لهم كسائر المعاينات ـ دلت الآية على أن الكافرين كانوا مثلي المسلمين فقط ، أي ضعفيهم في العدد ، وإن كانوا ثلاثة أمثالهم في العدد ، لأن الله قللهم في أعينهم ، حتى يقاتل الرجل المسلم رجلين ، كما في قوله تعالى : (فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ، وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ ، بِإِذْنِ اللهِ ، وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الانفعال ٨ / ٦٦] أي أن الله تعالى أراهم الكفار على غير عدتهم ، لتقوى قلوبهم بذلك ، وليطلبوا الإعانة من ربهم عزوجل ؛ ورأى المشركون المؤمنين مثلي عددهم ليحصل لهم الرعب والخوف والجزع والهلع.
هذا في بدر ، أيد الله المؤمنين بنصره ، وكذلك صدق الله وعده ، فقتل