نارا ، لينتفعوا بها ، فلما أضاءت ما حولهم من الأمكنة والأشياء ، وأبصروا زمنا يسيرا ، أطفأها الله بنحو مطر شديد أو ريح عاصف ، فصيرهم لا يبصرون شيئا ، وتركهم في ظلمة الليل وظلمة السحب المتراكمة وظلمة إطفاء النار ، لأن النور قد زال.
والمنافقون عطلوا مشاعرهم وإحساساتهم ، إنهم عطلوا منفعة السمع ، فلم يسمعوا عظة واعظ وإرشاد مرشد ، بل لا يفقهون إن سمعوا ، فكأنهم صمّ عن الحق لا يسمعون. وعطلوا منفعة الكلام والسؤال والمناقشة ، فلم يطلبوا برهانا على قضية ، ولا بيانا عن مسألة ، فكأنهم بكم لا يتكلمون ، وعطلوا منفعة البصر ، فلم ينظروا ولم يعتبروا بما حل بهم من الفتن وبما تعرضت له الأمم ، فكأنهم عمي عن الهدى. وهم لا يعدلون أصلا عن حالهم من الضلالة إلى الهدى ، فلا تأس عليهم ولا تحزن.
والمثل الثاني ـ لحيرتهم وقلقهم وانتهازيتهم : وهو أن القرآن قد أتاهم بالإرشادات الإلهية ، ولكنهم أعرضوا عنها ، فحالهم تشبه حال قوم نزل عليهم المطر الغزير ، المصحوب بالمخاوف من ظلمات المطر والسحب والليل ، والرعد القاصف ، والبرق الخاطف ، وفي هذا الجو القاتم تلمسوا سبيل النجاة ، وعقدوا الأمل على ما لاح في الأفق من نور ، فعزموا على اتباع الحق الذي جاءت به الآيات البينات ، ثم ما لبثوا أن وقعوا في الظلام ، فأصابهم القلق والاضطراب ، والله محيط بهم ، قادر عليهم ، فلو شاء لأذهب أسماعهم بقوة الرعد ، وأبصارهم بوميض البرق الخاطف ، ولكن لحكمة ومصلحة ، لم يشأ ذلك ، لإمهالهم وإعطائهم الفرصة ليثوبوا إلى رشدهم.
والخلاصة : قد يضيء النفاق لصاحبه الدرب حينا قصيرا ، ثم سرعان ما ينطفئ كما تنطفئ النار ، مما يجعل النفاق لا دوام له ولا استمرار. وقد يجد المنافق الأمل في نفاقه لتحقيق غرض أو مكسب مادي رخيص ، ثم تتبدد