لكن الذين تذوقوا
جمال الأسلوب القرآني ، يرون أن هذه الشبهة باطلة ، ولو سقط المجاز من القرآن لسقط
منه شطر الحسن ، مثل قوله تعالى : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ
مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ ، وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ ، فَتَقْعُدَ مَلُوماً
مَحْسُوراً) [الإسراء ١٧ / ٢٩]
دلت القرينة على أن المعنى الحقيقي غير مراد ، وأن الآية تنهى عن كل من التبذير
والبخل.
والكناية : «وهي لفظ أريد به لازم معناه» كثيرة أيضا في القرآن ، لأنها
من أبلغ الأساليب في الرمز والإيمان ، فالله تعالى رمز إلى الغاية من المعاشرة
الزوجية ، وهي التناسل ، بلفظ (الحرث) في قوله : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ
لَكُمْ ، فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) [البقرة ٢ / ٢٢٣]
، ووصف الله العلاقة بين الزوجين ، بما فيها من مخالطة وملابسة ، بأنها لباس من كل
منهما للآخر ، في قوله : (هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ
، وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَ) [البقرة ٢ / ١٨٧]
ورمز إلى الجماع بقوله سبحانه : (أَوْ لامَسْتُمُ
النِّساءَ) [النساء ٤ / ٤٣]
وقوله : (أُحِلَّ لَكُمْ
لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ) [البقرة ٢ / ١٨٧].
وكنى عن عفة النفس وطهارة الذيل بقوله تعالى : (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) [المدثر ٧٤ / ٤].
والتعريض : «وهو أن تذكر اللفظ وتستعمله في معناه ، وتلوّح به إلى ما
ليس من معناه ، لا حقيقة ولا مجازا» مستعمل أيضا في القرآن ، مثاله : (وَقالُوا : لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ
، قُلْ : نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا) [التوبة ٩ / ٨١]
ليس المراد به ظاهر الكلام وهو ازدياد حر جهنم ، وكونه أشد من حر الدنيا ، ولكن
الغرض الحقيقي هو التعريض بهؤلاء المتخلفين عن القتال ، المعتذرين بشدة الحر ،
بأنهم سيردون جهنم ، ويجدون حرها الذي لا يوصف. ومنه قوله تعالى حكاية عن قول
إبراهيم : (بَلْ فَعَلَهُ
كَبِيرُهُمْ هذا) [الأنبياء ٢١ / ٦٣]
نسب الفعل إلى كبير الأصنام المتخذة آلهة ، لما يعلمون إذا نظروا بعقولهم ، من عجز
كبيرها عن ذلك الفعل ، والإله لا يكون عاجزا.