التي هي مواعظ وتفصيل ، والزبور الذي هو تمحيد وتمجيد ، والإنجيل الذي هو مواعظ وتذكير ، لا معجزة في واحد منها تشهد لمن أنزل إليه بالتصديق.
والكتاب الذي أنزل على نبينا محمد صلىاللهعليهوسلم يحوي معاني ذلك كله ، ويزيد عليه كثيرا من المعاني التي سائر الكتب ، غيره منها خال. ومن أشرف تلك المعاني التي فضل بها كتابنا سائر الكتب : نظمه العجيب ، ووصفه الغريب ، وتأليفه البديع الذي عجزت عن نظم مثل أصغر سورة منه الخطباء ، وكلّت عن وصف شكل بعضه البلغاء ، وتحيرت في تأليفه الشعراء ، وتبلدت قصورا عن أن تأتي بمثله لديه أفهام الفهماء ، فلم يجدوا له إلا التسليم والإقرار بأنه من عند الله الواحد القهار ، مع ما يحوي مع ذلك من المعاني التي هي ترغيب وترهيب ، وأمر وزجر ، وقصص وجدل ومثل ، وما أشبه ذلك من المعاني التي لم تجتمع في كتاب أنزل إلى الأرض من السماء.
ومظاهر الإعجاز أو أوجه الإعجاز كثيرة : منها ما يخص العرب في روعة بيانه وبلاغة أسلوبه وجزالة ألفاظه أو نظمه ، سواء في اختيار الكلمة القرآنية أو الجملة والتركيب ونظم الكلام ، ومنها ما يشمل العرب وغيرهم من عقلاء الناس بالإخبار عن المغيبات في المستقبل ، وعن الماضي البعيد من عهد آدم عليهالسلام إلى مبعث محمد صلىاللهعليهوسلم ، وبالتشريع المحكم الشامل لكل شؤون الحياة العامة والخاصة. وأكتفي هنا بإيجاز مظاهر الإعجاز وهي عشرة كما ذكر القرطبي (١) :
أ ـ النظم البديع المخالف لكل نظم معهود في لسان العرب وفي غيره ، لأن نظمه ليس من نظم الشعر في شيء.
__________________
(١) تفسير القرطبي : ١ / ٧٣ ـ ٧٥ ، وانظر دلائل الإعجاز في علم المعاني ، للإمام عبد القاهر الجرجاني : ص ٢٩٤ وما بعدها ، إعجاز القرآن للباقلاني : ص ٣٣ ـ ٤٧ ، إعجاز القرآن للرافعي : ص ٢٣٨ ـ ٢٩٠ ، تفسير المنار : ١ / ١٩٨ ـ ٢١٥