لمشيئة الله ، والنسخ فعل لله ، والله يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد ، فقد يأمر بالفعل في وقت ، وينهى عنه في وقت ، كما أمر بالصيام في نهار رمضان ، ونهى عنه في يوم العيد.
أما لو راعينا في أحكام الله مصالح العباد ، وأن التشريع قائم على أساس المصالح ، كما تقول المعتزلة ، فالمصالح تختلف باختلاف الأشخاص والأزمان ، فما قد يكون مصلحة لشخص أو في زمن ، قد لا يكون مصلحة لشخص آخر أو في زمن آخر ، وما دامت المصالح تتغير ، والأحكام يراعى في تشريعها مصالح الناس ، فإن النسخ أمر ممكن غير محال ، ويكون جائزا عقلا.
وأدلة وقوع النسخ فعلا كثيرة.
منها : إجماع الصحابة والسلف على أن شريعة محمد صلىاللهعليهوسلم ناسخة لجميع الشرائع السابقة ، أي في غير أصول العقيدة والأخلاق ، مثل تحريم الشحوم ، وكل ذي ظفر على اليهود بسبب ظلمهم ، وأكلهم أموال الناس بالباطل بالربا وغيره.
ومنها : الإجماع على نسخ وجوب التوجه إلى بيت المقدس ، باستقبال الكعبة ، وعلى نسخ الوصية للوالدين والأقربين بآية المواريث ، ونسخ صوم عاشوراء بصوم رمضان ، ونسخ وجوب تقديم الصدقة بين يدي مناجاة النبي صلىاللهعليهوسلم بالعفو عنه.
أما أبو مسلم الأصفهاني من علماء التفسير المتوفى سنة ٣٢٢ ه ، فإنه أجاز النسخ مطلقا بين الشرائع ، كما هو المشهور عنه ، ولكنه منع وقوعه في الشريعة الواحدة ، مستدلا بقول الله تعالى في صفة القرآن : (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ ، تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) [فصلت ٤١ / ٤٢] فلو وقع النسخ في القرآن ، لأتاه الباطل. وأجيب بأن النسخ إبطال ، لا باطل ، لأن النسخ حقّ وصدق ، والباطل ضدّ الحقّ ، كل ما في الأمر أن يصبح حكم المنسوخ غير معمول