فقه الحياة أو الأحكام :
إن ترك الأفضل من المطعومات وهو المنّ والسلوى ، وطلب الأدنى مرتبة منه من بصل وثوم وعدس وخيار ونحوها ، دليل على أن النفس البشرية قد تبدل الطيب بالخبيث ، والأرقى بالأدنى. قال الحسن البصري : كان اليهود نتانى أهل كرّاث وأبصال وأعداس ، فنزعوا إلى عكرهم (١) عكر السّوء ، واشتاقت طباعهم إلى ما جرت عليهم عادتهم ، فقالوا : (لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ)(٢). وقولهم : (لَنْ نَصْبِرَ) يدلّ على كراهتهم ذلك الطعام. وعدم الشكر على النعمة دليل الزوال ، فكأنهم طلبوا زوالها ومجيء غيرها.
أما أكل البصل والثوم وماله رائحة كريهة من سائر البقول ، فهو مباح في رأي جمهور العلماء ، للأحاديث الثابتة فيه ، لكن ينبغي على الآكل أن يتجنب حضور أماكن التجمع في المساجد ونحوها ، لئلا يتأذى الناس بالروائح الكريهة. روى أبو سعيد الخدري عن النّبيصلىاللهعليهوسلم حين أكلوا الثوم زمن خيبر وفتحها : «أيها الناس ، إنه ليس لي تحريم ما أحلّ الله ولكنها شجرة أكره ريحها».
ودلّت الآية على جواز أكل الطيبات والمطاعم المستلذات ، وكان النّبي صلىاللهعليهوسلم يحب الحلوى والعسل ، ويشرب الماء البارد العذب.
وإن الجزاء الذي أنزله الله باليهود من الذلة والمسكنة وإحلال الغضب بهم ، حق وعدل ومطابق لجرائهم ، وهي الاستكبار عن اتباع الحق ، وكفرهم بآيات الله ، وإهانتهم حملة الشرع وهم الأنبياء وأتباعهم ، حتى إنهم قتلوهم ظلما وعدوانا بغير حق ، لأن الأنبياء معصومون من أن يصدر منهم ما يقتلون به ، فلم يأت نبي
__________________
(١) العكر : الأصل ، وقيل : العادة والديدن. والعكر (بالتحريك) : دردي كل شيء.
(٢) تفسير القرطبي : ١ / ٤٢٢