سائل عن كيفيّة جذب المغناطيس الحديدَ ، لم يكن الجواب إلّا كونه ذا قوّة جاذبة له بطبعه.
وكما أنّ العالِم بأنّ النّار تحرق بالحرارة عالِم بحقيقة الحال غير منسوب الى الجهل ، كذلك العالم بأنّ الحجَر يجذب الحديد ، فما فيه من قوّةٍ جاذبةٍ فطَبْعُ تلك القوّةِ أنْ تجذب ، كما إنّ طبع هذه القوّة المسمّاة حرارة أن يحرقَ ، عالِم بحقيقة الحال غير منسوب الى الجهل. لكن القوّة المحرقة مُسمّاة ، وهذه غير مُسمّاة ، وتلك مشهورة وهذه غريبة.
وإنّما لا يقنع العامىّ بهذا الجواب لأنّ عنده أنّ كلّ فعل يصدر عن الجسم فصدوره عن حَرّ أو برد ورُطوبة أو يُبوسة ، أو ثِقَل أو خِفّة ، أو حركة أو شىء من الأمور الموجودة فى البسائط.
فاذا لم يُصنّف الفعل إلى شىء من تلك ، لم يُتَبَيَّن وجْهُ كونِه ، حُسِبَ أنّه مجهول المبدأ. وليس كذلك ، بل الفعل إنّما يُعلم وجه كونه بأنْ يُعلم أنّه عن قوّة طبيعيّة أو نفسانيّة أو عقليّة أو عَرضيّة.
وأما سائر ما يُتكلّف من أمر المغناطيس ـ فى أنّه يجذب الحديد بحَرِّه أو برده أو بنَفْس فيه أو بخُروج أجسام كالصّنانير لأنّ طباعَه تشاكل طباع الحديد أو بسبب ما فيه ـ فباطل ، يتكشّف بطلانه بأدنى سَعْى.
والحقّ انه قد استفاد النّبات بالمزاج قوّة غازيّة.
وأما الجهل بأنّ تلك القوّة لِمَ وُجدت فى هذا الجسم دون جسم آخر فهو جَهْل فى أمر غير الذى فيه الكلام.
ثمّ قال : وليس جهلنا بسبب حصول هذه القوّة فى المغناطيس ، بأعجب من جهلنا بالسّبب الذى يستعدّ به الشّىء للحُمرة والصّفرة ، بل البدن للنَّفس.
لكنّ الأمور المعتادة المشهورة يسقط عنها التّعجّب.
ولهذا يجب البحث والرَّوِيَّة فى سببه فالخاصّيّة ، بالجملة ، طبيعة توجد فى بعض الأجرام المركّبة من العناصر عن الفَيْض العُلوىّ الألهىّ لما يحدث لها من الأمزجة الخاصّة المفيدة لاستعداد خاصّ.