فهذا هو الكلام فى الخاصِّيَّة بسبب التّحقيق.
وأمّا بحسب المعتاد ، فبظنِّ أنّ الخاصِّيَّة تفارق الطّبيعة بسبب أنّها قوّة موجودة فى بعض الأجسام المتكوّنة بالامتزاج فيصدر عنها فى جسم آخر فعلا خارجا عن المعتاد فذلك بظنِّ أنّ الخاصِّيَّة تُفارق الطّبيعة بسبب أنّها قوّة موجودة فى بعض الأجسام المتكوّنة بالامتزاج يَصدر عنها فى جسم آخر فعلا خارجا عن المعتاد فى الطّبيعة المشهورة.
والطّبيعة هى قوّة تفعل بها الأجسام البسيطة أفاعيلها بالذّات ، وإلى هذا يذهب الجمهور والضّعفاء من أهل النظر.
ولو كانت النّار مما يعزُّ وجودها وتجلب من بلاد بعيدة لكان الجمهور يقدّمون خاصّيّتها على سائر الخاصِّيَّات ، ولكان بحثهم عن سبب خاصِّيَّتها يكون أشدّ من بحثهم عن سائر الخاصّيّات. فإنّ الأفعال الكائنة عن النّار عجيبة جدّاً. وكيف لا؟ وهى تُخرج الإبصار من القوّة الى الفعل ، وتُرَى مُصْعَدَةَ الى فوق ، ومُصَعِّدَةً لكلّ ما تقوى عليه. ويتولّد من قليلها فى ساعة واحدة شىء عظيم. وتُفسد كلّ ما يلاقيها وتحيله إلى جَوهرها ، ولا ينقص ما يؤخذ منها. ولعمرى إنّ هذا لأعْجَب كثيرا من جذب المغناطيس للحديد ومن سائر الخَوَاصِ ، إلّا أنّ الشُّهْرَة وكثرة المشاهدة أسقطا التّعجّب عنها والبحث عن سببها. ونُدرة فعل المغناطيس أوجبت التّعجب وأدّت إلى البحث عن سببه.
والفاعل بالجوهر هو الذى يفعل بصورة نوعِه الحاصلة بعد المزاج الذى لمّا امتزجت بسائطه وحدث منها شىء واحد ، استعدّ لقبولِ نوع صورةٍ زائدةٍ على ما للبسائط ، وتلك الصّورة ليست بالكيفيّات الأوَل التى للعُنْصُر ولا المزاج الكائن عنها ، بل كمالٌ يحصل للعنصر بحسب استعدادٍ حصل له من المزاج مثل القوّة الجاذبة فى المغناطيس.
وتأثير السّموم ليس من أجل حرارتها وبرودتها وإنْ كان بعضها حارّا كسُمّ الأفعى والفَرْبِيون (٢٥) وبعضها بارد كسُمّ العقرب والأفيون (٢٦) ، بل تأثيرها وإفسادها لبدن الإنسان من جهة خاصّة بها مُفسدةٍ لبدن الإنسان.