والحُمْق على نوعين ، لأنّ النَّفْس لها قُوَّتان ، قُوّة نَظريّة ، وهى بها التّصرُّف والتّدبير ، وذلك باستقامةٍ من العقل النّظرىّ. والأخرى تُسمَّى العقل العملىّ. وكلّ واحد منهما قد تُصاب بالنّقصان أو بالتّشويش ، أمّا نقصانهما معاً فيسمَّى حُمْقاً مُطلقا. ونُقصان القوّة النّظريّة ، أى : ضَعفها يُسمَّى حُمقا نظَريّا. ونُقصان القوّة العمليّة ، أى : ضَعفها ، يُسمَّى حُمقا عمليّا.
ولمّا كان الجمهور من النّاس لا يميّزون بين قوّة القوّة النظريّة وبين ضَعفها صار أكثر إطلاقهم لفظَ الحُمْق على حال من نُقصان العقل العملىّ.
وأمّا بطلانهما معاً فيسمَّى بُطلان الذّهن وزَوال العقل ، وهو أنْ يتعطّل نَقْلُها حتّى لا يبقَى شعور البتّة بشَىء ، وهذا كما يعرض فى الصَّرَع والسّكتة والغَشْى الشّديد.
والمراد ببطلان الذّهن بُطلان فعلِه الذى هو الشّعور والحُكْم. وأمّا المراد بلفظ الذّهن فليس يبطل البتّة مدام الإنسان حيّا.
وأمّا تشويشها فيسمَّى تشويش الذّهن وفساد الذّهن ، وهو أن تكون الأفعال الصّادرة عنه جارية على غير الصَّواب.
وقال شيخنا العلّامة : إنّما يقال لضَعْف الفِكْر أنّه حُمق إذا كان ضعفه فى الأشياء العمليّة ، أمّ ضعفه فى العُلوم فلا يقال له حُمق بل بَلادة. ولا يُقال لجميع الأشياء العلميّة لأنّ ضعف الفِكر فى عمليّات الطّبّ والهَندسة لا يُسمّى حُمقا بل ضَعْف صناعةٍ.
وإنّما يسمَّى حمقا ما كان من ضعفه فى التّدبير ، وهو الذى تكون به المخالطة مع النّاس ، ولهذا يسمَّى المرتفِع على النّاس بغير استحقاق أحمق ، لأنّ لفظ العقل إنّما يُطلق فى العُرْف العامّيّ على حِسّ التّدبير فيما يتعلّق بأحوال كلّ شخص فى أخلاقه ومُخالطته مع النّاس ، وسياسته لهم. فمَنْ كان مِنَ النّاس حَسَنَ التّدبير فى هذه الأشياء يسمّونه عاقلا ، ولذلك يكونِ الحمق عندهم هو القُصور فى هذه الأشياء لقصور الفِكْر ، ولو كان أفضلَ النّاس فى العلوم والعمليّات الصّناعيّة (١٣٢).