عمر ـ وهو ينظر إلى أثرك ـ : آه آه آه. فقلت : ممّ تأوّه يا أمير المؤمنين؟! قال : من أجل صاحبك ـ يا ابن عباس ـ وقد أعطي ما لم يعطه أحد من آل النبي صلىاللهعليهوسلم!!! ولو لا ثلاث هنّ فيه ما كان لهذا الأمر من أحد سواه!!! قلت : ما هنّ يا أمير المؤمنين؟ قال : كثرة دعابته (١) وبغض قريش له وصغر سنّه!!! قال : فما رددت عليه؟ قال : داخلني ما يدخل ابن العم لابن عمّه!!! فقلت : يا أمير المؤمنين أما كثرة دعابته فقد كان النبي صلىاللهعليهوسلم يداعب فلا يقول إلّا حقّا ، وأين أنت حيث كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول ـ ونحن حوله صبيان وكهول وشيوخ وشبان ويقول ـ للصبي : «سناقا سناقا» ولكل ما يعلمه الله يشتمل على قلبه (٢)
وأمّا بغض قريش له فو الله ما يبالي ببغضهم له بعد أن جاهدهم في الله حين أظهر الله دينه فقصم أقرانها وكسر آلهتها وأثكل نساءها لامه من لامه.
وأمّا صغر سنّه فقد علمت [أنّ] الله تعالى حيث أنزل عليه (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) [١ / التوبة] فوجّه النبي صلىاللهعليهوسلم صاحبه ليبلّغ عنه ، فأمره الله أن لا يبلّغ عنه إلّا رجل من أهله فوجّهه به فهل استصغر الله سنّه؟!!
فقال عمر لابن عباس [رضياللهعنه] : أمسك عليّ وأكتم فإن سمعتها من
__________________
(١) الدعابة ـ بفتح الدال ـ : الدفع. المزاح.
وبطلان ما قاله الرجل ونسبه إلى أمير المؤمنين من كثرة الدعابة ، أمر جلي لمن سبر تاريخ أمير المؤمنين وسيرته المنقولة من طريق الثقات ، والرجل أيضا كان عليما سناهيا في الخبرة بذلك ، ولكن أراد من كلامه هذا أولا استنطاق ابن عباس واستفتاح باب الكلام معه كي يستكشف من خلال بيانه ما ينطوي عليه بواطن بني هاشم وما يخططون في داخلتهم ونواديهم الخاصة كي يأخذ حذره منهم ويحافظ على إمارته ورئاسته ، وهذا أمر شائع في السياسيين فإنهم دائما يتصلون بأولاد خصومهم ومن يلوذ بهم ممن ليس له نضج وحفاظ في التحفظ على الأسرار ، ويفتحون معهم باب الكلام ويتظاهرون بالمحبة لهم حتى يستعلموا ما في ضميره بما يجري على لسانه.
هذا إحدى دواعي الرجل من نسبة الدعابة إلى أمير المؤمنين ، والثاني من دواعيه في نسبة كثرة الدعابة والمزاح إلى علي عليهالسلام هو حمل ما يتنفس به ويتظلم منه علي من اغتصاب حقه واستيلاء غيره عليه ظلما :
وعدوانا على المزاح والدعابة كي لا يؤثر كلام علي في أحد ولا يتأثر منه شخص فتبقى إمارتهم مأمونة عن ، التزلزل والانهدام ، ويستريحون من المنازعة والمحاربة على استدامة رئاستهم.
(٢) كذا في نسخة السيد علي نقي ، وفي مخطوطة طهران : «دل كل ما يعمله أنه يشتمل على قلبه ...»؟.