« عليك » نظير تقديم « عليك » عن سلام الوداع ، وكلمة « غير مهجور » شاهدة على الجواب ، ويحتمل أن يكون جواباً لسلام الركن الغربي على النبي ، قد سمعه دوننا ، فأجاب عن ذلك ، ويشهد التقديم المذكور له ؛ لأنه أبلغ في الجواب ، وكان الانسب ذكر الحديث عند البحث عن سلام الكائنات المقام الثاني ، إلا أن الذي حدانا إلى ذكره هنا هو احتمال أن يكون من مواطن السلام عليها ، والأشياء كلها جديرة بالسلام عليها ، لأنها آيات الله الدالة على توحيده ، فلها كرامتها التي يحسن الاتجاه إليها ، والسلام عليها ، لما لها من الدلالة على جمال الصنع ، فيقال : سلام عليك يا سماء الله الذي رفع سمكك وسوّاك ، وأغطش (١) ليلك ، وأخرج ضحاك ، وسلام عليك يا ارض الله التي جعلك الله لنا مهاداً، ولك الجبال أوتاداً ، وأخرج ماءك ومرعاك ... وقس عليهما الأشياء كلها بما لها من نظام الكون ، وخصصها بالسلام ، بما خصها الله عزّ وجلّ من خاصة ، وهي من آيات الله ، ودلائل الصنع ، لمن أراد عرفان الله وشكره ، كما قال تعالى :
( وهو الذي جعل الليل والنهار خِلْفَةً لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً ) (٢) عقيب قوله عز من قائل : ( تبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً ) (٣).
كلها آيات دالة على أنه تعالى جاعل الكائنات بهذا النظم العجيب ، الجدير بالسلام عليها ليلاً ونهاراً وفي كل وقت ، وإليه تعالى يعود السلام ، كما بدأ منه السلام.
يبقى سؤال : وهو أنه ماذا يقصد المسلّم عليها بسلامه ، وهل ينوي بالسلام الدعاء لها بأن تسلم دوماً من الآفات؟ أو من وصول الشرّ إليها ، بأن تأمن من؟ أو يروم بتحيته تبادل المحبة معها؟ أو يكون سلامه عليها للتعاهد على استمرار ذكر اسم الله السلام ، وعلى الطاعة له تعالى؟ وهكذا بقية
__________________
١ ـ أغطشه الله أظلمه ، وفي الحديث : « أطفأ بشعاعه ظلمة الغطش » أي ظلمة الظلام مجمع البحرين ـ غطش ـ.
٢ ـ الفرقان : ٦٢.
٣ ـ الفرقان : ٦١.