(٢) قوله عليه السلام : الأوّل بلا أوّل
الأوّل ضدّ الآخر. وأوّل أصله أوءل على أفعل مهموز الوسط ، كما ذهب إليه الجوهري (١). والعلماء المراجيح في فنون علم الأدب لا ووءل على فوعل كما زعمه بعض الأدبيّين.
فقوله : عليه السّلام «بلا أوّل» : إمّا بفتح اللام على النصب ، كما في رواية «س» على أنّه أفعل التفضيل ، أو أفعل الصفة على اعتبار الوصفيّة. وإمّا بالتنوين على الجرِّ ، كما في أصل الرواية على أنّه أفعل الصفة ، منسلخاً عن معنى الوصفيّة.
وضابط القول على ضرب من التفصيل : أنّك إذا أخذته أفعل التفضيل لم يسعك أن تصرفه بوجه من الوجوه ؛ إذ لا يتصوّر أن ينسلخ حينئذ عن كونه وصفاً لموصوف أصلاً ، وليس يسوغ استعماله إذن الّا بتقدير «من» واعتبار المفضّل عليه في جهة القول ، أو في طيّ الطيّة.
وأمّا إذا أخذته أفعل الصفة ، فإن اعتبرت فيه معنى الوصفيّة وجعلته وصفاً امتنع أن ينصرف ، تقول : حججت عاماً أوّل وفي عام أوّل بالنصب فيهما ، وهذا عامّ أوّل بالرفع.
وإن سلخته عن الوصفيّة واستعملته على أنّه ظرف ، كان مبنيّاً على الضمّ أبداً ، كما [في] سائر الظروف المقطوعة بالإضافة ، فتقول : إن أتيتني أوّل فلك كذا.
وإذا استعملته بمعنى البداءة والابتداء صرفته وأعربته ، تقول : ليس له أوّل وآخر على تنوين الرفع ، أي : ليس لوجوده بداءة وابتداء ، ولا نهاية وانتهاء.
وتقول في محلّ النصب : أثبت له أوّلاً وآخر ، أي ابتداءاً وانتهاءاً ومبدءاً ومنتهىً. وفي مقام الجرّ : الدائرة خطّ مستدير من غير أوّل وآخر ، أي : من غير بداية ونهاية ومبدأ ومنتهى بحسب الوضع.
فإذن قولك : قلت لك أوّلاً وآخراً ، معناه ابتداءاً وانتهاءاً ، والنصب على التمييز ، أو على
__________________
١. في الصحاح : ٥ / ١٨٣٨.