الله سبحانه وعبادته ، وبما لها شرف الإنتساب إلى جناب مجده ، وعزّ الإختضاع (١) لسلطان ربوبيّته ، فإنّه في مذهب العبوديّة ومن جهة كبرياء الربوبيّة استعظام أقلّ الطاعات ، واستكبار أصغر العبادات (٢) من تلك الحيثيّة غاية الإستعظام والإستكبار والإعتداد بها على قصيا الغايات ، والإحتساب بذلك عند الله سبحانه كبير الأجر وعظيم الذخر.
ومن هذا الباب أنّ من وظائف الدعاء أن يكون الداعي مستيقناً للإجابة. وفي الحديث : من أتى الجمعة إيماناً واحتساباً استأنف العمل ، ومن صام رمضان إيماناً واحتساباً وجب له الجنّة. وقد تكرّر في الحديث النهي عن استصغار شيء من الطاعات والمعاصي ، ومنه أنّ الله عزّ وجلّ أخفى مرضاته في طاعته ، فلا تتركنّ شيئاً من طاعته فلعلّ فيها مرضاته ، وأخفى سخطه في معاصيه فلا يقربنّ شيئاً من معصيته فلعلّ فيها سخطه.
الثالث : أنّ المعنى بالصغير الذي لا يجتبي ولا يتقبّل من الأعمال ، عمل الجوارح البدنيّة والأعضاء الأدويّة والآلات الجسديّة ، منسلخاً عن اقتران نخوع (٣) النفس المجرّدة واختضاع القلب الملكوتي ، وذلك مخّ الطاعة ومخّ العبادة وروح العمل ، والأعمال من دون ذلك كأجساد الموتى. وإنّما عدّت أعمال الجسد صغيرة ؛ لأنّ البدن صغير خسيس بالقياس إلى النفس المجرّدة وعالم الأجسام (٤) ، أعني جملة عالم الخلق وهو عالم الشهادة ، حقير صغير جدّاً بالنسبة إلى عالم الأرواح ، أعني جملة عالم الأمر ، وهو عالم الغيب وعالم التسبيح.
قال أرسطو طاليس في أثولوجيا : النفس ليست في البدن ، بل البدن في النفس ؛ لأنّها أوسع منه ، ومن أراد أن ينظر إلى صورة نفسه المجرّدة فليجعل من الحكمة مرآة.
ومن هناك يستبين سرّ ما في الحديث عن سيّد الورى وصفو البرايا صلّى الله عليه وآله : نيّة المؤمن خير من عمله. وقد استقصينا وجوه شرحه وحقايق تفسيره في السبع
__________________
١. في «ن» : الإختصاص.
٢. في «س» : العنايات.
٣. في «ن» : تجزع وفي «س» : نجوع.
٤. في «ن» : الأجساد.