(١) قوله عليه السلام : ويا من يجتبي صغير ما يتحف به
افتعال من الجباية بمعنى يختاره ويصطفيه ، وإنّما كان سبحانه يصطفي صغير ما يتحف به من الأعمال والحسنات ؛ لأنّ جميع طاعات وعبادات الطائعين كبيرها وصغيرها في إزاء عزّ جلاله حقير بالقياس إلى ما يسحقّه كبرياء جنابه تعالى شأنه وتعاظم سلطانه.
وفي «خ» لا يجتبي بكلمة النفي.
وتحقيق مغزاه من وجوه عديدة :
الأوّل : أنّه جلّ مجده من باب الفضل والرحمة لا يجتبيه صغيراً بل يأخذه كبيراً عظيماً ، وإن كان هو في حدّ نفسه وبحسب قياسه إلى جناب الكبرياء صغيراً حقيراً جدّاً ، كما في «لا يسمع الدعاء الملحّون» على أحد التفسيرين ، أي : لا يسمع ملحوناً ، بل مهما يكن دعاء اللاحن عن نيّة خالصة وطيّة نقيّة. وأن كان مدخولاً في ألفاظه وملحوناً في إعرابه يجعل الله قسطه من الإستجابة موفوراً ، ويتقبّله مسموعاً مبروراً ، كأنّه لم يكن مدخولاً ولا ملحوناً تطوّلاً وامتناناً وتفضّلاً وإحساناً.
الثاني : أنّ الصغير الغير المجتبى ولا المتقبّل من أعمال العاملين هو ما يكون عند العامل صغير يستصغره ويستحقره ويستخفّ به ، ولا يحتسب بذلك ذخراً عند الله وأجراً.
فإن قلت : أليس استقلال الطاعة وإن كانت عظيمة كبيرة ، واستكبار المعصية وإن كانت لمماً صغيرة من أرفع درجات العبوديّة ، وأنفعها في قبول جناب الربوبيّة.
قلت : ذاك هو أن يستصغر الطائع المتعبّد طاعته ويستحقرها بما هي صادرة عنه ، وبحسب ما الله له أهل بكرم وجهه وعزّ جلاله من الطاعة والعبادة لا من حيث هي طاعة