مبدأ عقلي يعقل الخير الأوّل ، ويكون ذاته مفارقة. فقد علمت أنّ كلّ ما يعقل مفارق بالذات ومن مبدأ الحركة جسمانيّ ، فقد علمت أنّ الحركة السماويّة نفسانيّة ، تصدر عن نفس مختارة متجدّدة الإختيارات على الإتّصال ، فيكون عدد العقول المفارقة بعد المبدأ الأوّل بعدد الحركات ، فإن كانت الأفلاك للكواكب المتحيّرة إنّما المبدأ في حركات كرّات كلّ كوكب ، منها قوّة تفيض من الكواكب.
ثمّ يبعد أن يكون المفارقات بعدد الكواكب لها لا بعدد الكرّات ، وكان عددها عشرة بعد المبدأ الأوّل تعالى ، أوّلها العقل المحرّك الذي لا يتحرّك وتحريكه لكرة الجسم الأقصى ، ثمّ الذي هو مثله لكرة الثوابت ، ثمّ الذي هو مثله لكرة زحل ، وكذلك حتّى ينتهي إلى العقل المفيض على أنفسنا ، وهو عقل العالم الأرضي ، (١) ونسمّيه نحن «العقل الفعّال» وإن لم يكن كذلك ، بل كان كلّ كرة متحرّكة لها حكم في حركة نفسها ، ولكن لكلّ كوكب كانت هذه المفارقات أكثر عدداً ، وكان على مذهب المعلّم الأوّل قريباً من خمسين فما فوقه ، وآخرها العقل الفعّال ، وقد علمت من كلامنا في الرياضيّات مبلغ ما ظفرنا به من عددها. انتهى كلامه
قلت : التحقيق أنّه ما من كرة سماويّة إلّا وهي متحرّكة حركة وضعيّة استدارته بالذات ، وإن كانت هي متحرّكة بالعرض أيضاً حركة وضعيّة مستديرة ، حتّى أجرام الكواكب ، فإنّ كلّاً منها يتحرّك في مكانه الذي هو مركوز فيها حركة وضعيّة مستديرة على نفسه ؛ إذ السكون من حيّز الموت الجسماني ، ولا يحدر (٢) بالأجرام العلويّة الأثيريّة.
وبعد حلّ الإشكالات العويصة المستصعبة المشهوريّة ، يستبين أنّ عدد الأفلاك الكلّيّة والجزئيّة التي بها تنضبط الحركات المرصودة ، يرتقى إلى نيّف وثمانين ، فإذاً ينصرح (٣) أنّ العقول المفارقة والنفوس المجرّدة السماويّة هي بعدد الكرّات الكلّيّة والجزئيّة ، والكواكب
__________________
١. في «ط» : الأخير.
٢. في «س» : يجدر.
٣. في «ط» : يتصرّح.