لأنّها تستجري في الخدمة ، استجريته وجريته : جعلته جرياً أي : وكيلاً أو رسولاً.
وفي الحديث : لا يستجرينّكم الشيطان. (١) جعله بعضهم استفعالاً من الجري بمعنى الوكيل والرسول ، يعني : لا تتولّوا وكالة الشيطان ورسالته.
قال في أساس البلاغة : أي : لا يستتبعنّكم حتّى تكونوا منه بمنزلة الوكلاء مع الموكّل. (٢)
وحمله آخرون على معنى الأصل ، أي : لا يحملنّكم أن تجروا في إيتماره وطاعته.
(١١) قوله عليه السلام : والمجارين من الظلم
في الأصل بالراء المكسورة من الإجارة ، وفي نسخة «س» بالزاء مفتوحة من المجازاة. وبخطّ «ش» قدّس الله لطيفه بالزاء معاً ، على صيغتي المفعول والفاعل. أي : الذين يجازيهم على ما أصابهم من الظلم ، وينتصف بهم من ظالمهم (٣) عدلك ، أو الذين لا يجازون من اعتدى عليهم وظلمهم إلّا بعدلك.
(١٢) قوله عليه السلام : عفوّ غفور
هما من أبنية المبالغة من العفو والمغفرة ، ففريق من اُولي العلم يعتبرون أصل المعنى ، فيجعلون العفو أبلغ ، إذ أصل العفو المحو والطمس. والغفر والغفران الستر والتغطئة ، فالغفور هو الذي يستر ذنوب المذنبين بستره ، ويغطّيها بحلمه. والعفوّ هو الذي يطمس المعصي برأفته ويمحو السيّئات برحمته.
وفريق يقولون : العفوّ التجاوز عن الذنب وترك العقاب عليه ، والغفران تغطئة المعصية بإسبال ستر الرحمة عليها ، ثمّ التفضّل على من اقترنها بالبرّ والمثوبة. فالغفور لا محالة أبلغ ، ولذلك خصّت المغفرة بالله سبحانه ، فلا يقال : غفر السلطان لفلان ، ويقال : عفى عنه ، ويقال : استغفر الله ول ايقال : استغفر السلطان.
فالله سبحانه عفوّ يتجاوز عن الذنوب بصفحه ، ويترك عقاب المذنبين بعفوه ، وغفور
__________________
١. نهاية ابن الأثير : ١ / ٢٦٤.
٢. أساس البلاغة : ٩١.
٣. في «ن» : مطالمهم.