منها : ما نقل أنّ السلطان شاه عبّاس الماضي ركب يوماً إلى بعض تنزّهاته ، وكان الشيخان المذكوران أيضاً في موكبه ، لأنّه كان لا يفارقهما غالباً ، وكان سيّدنا المبرور متبدّناً عظيم الجثّة ، بخلاف الشيخ البهائي فإنّه كان نحيف البدن في غاية الهزال ، فأراد السلطان أن يختبر صفاء الخواطر فيما بينهما ، فجاء إلى سيّدنا المبرور وهو راكب فرسه في مؤخّر الجمع ، وقد ظهر من وجناته الأعياء والتعب لغاية ثقل جثّته ، وكان جواد الشيخ في القدام يركض ويرقص كأنّما لم يحمل عليه شيء.
فقال : يا سيّدنا ألا تنظر إلى هذا الشيخ القدّام كيف يلعب بجواده ولا يمشي على وقار بين هذا الخلق مثل جنابك المتأدّب المتين؟ فقال السيّد : أيّها الملك إنّ جواد شيخنا لا يستطيع أن يتأنّى في جريه من شعف ما حمّل عليه ، ألا تعلم من ذا الذي ركبه.
ثمّ أخفى الأمر إلى أن ردف شيخنا البهائي في مجال الركض ، فقال : يا شيخنا ألا تنظر إلى ما خلفك كيف أتعب جثمان هذا السيّد المركب ، وأورده من غاية سمنه في العيّ والنصب ، والعالم المطاع لابدّ أن يكون مثلك مرتاضاً خفيف المؤونة. فقال : لا أيّها الملك ، بل العيّ الظاهر في وجه الفرس من عجزه عن تحمّل حمل العلم الذي يعجز عن حمله الجبال الرواسي على صلابتها.
فلمّا رأى السلطان المذكور تلك الاُلفة التامّة والمودّة الخالصة بين عالمي عصره ، نزل من ظهر دابّته بين الجمع وسجد لله تعالى وعفّر وجهه في التراب شكراً على هذه النعمة العظيمة.
وحكايات سائر ما وقع أيضاً بينهما من المصادقة والمصافاة وتأييدهما الدين المبين بخالص النيّات كثيرة جدّاً ، يخرجنا تفصيلها عن وضع هذه العجالة.
على أنّ ذلك لم يذهب بروح التنافس بينهما ، شأن كلّ عالمين متعاصرين عادة. فقد ورد أنّ الشيخ البهائي حين صنّف كتابه الأربعين أتى به بعض الطلبة إلى السيّد الداماد ، فلمّا نظر فيه قال : إنّ هذا العربيّ رجل فاضل لكنّه لمّا جاء في عصرنا لم يشتهر ولم يعد عالماً.
مسلكه في الفلسفة :