ويدلّ على ذلك ما كتبه قدّس سرّه إلى الشيخ البهائي مراجعاً : ولقد هبت ريح الاًنس من سمت القدس ، فأتتني بصحيفة منيفة كأنّها بفيوضها بروق العقل بوموضها ، وكأنّها بمطاويها أطباق الملك والملكوت بنظامها ، وكأنّ ألفاظها برطوباتها ، أنهار العلوم بعذوباتها ، وكأنّ معانيها بأفواجها بحار الحقّ بأمواجها ، وأيم الله إنّ طباعها من تنعيم ، وإنّ مزاجها من تسنيم ، وإنّ نسيمها لمن جنان الرمضوت ، وإنّ رحيقها لمن دفاق الملكوت.
فاستقبلتها القوى الروحيّة ، وبرزت إليها القوّة العقليّة ، ومدّت إليها فطنة صوامع السرّ أعناقها ، من كوى الحواسّ وروزاة المدارك وشبابيك المشاعر ، وكادت حمامة النفس تطير من وكرها شغفاً واهتزازاً ، وتستطار إلى عالمها شوقاً وهزازاً ، ولعمري لقد تروّيت ، ولكنّي لفرط ظمائي ما ارتويت :
شربت الحبّ كأساً بعد كأس |
|
فما نفد الشراب ولا رويت |
فلا زالت مراحمكم الجليّة ، مدركة للطّالبين ، بأضواء الأعطاف العليّة ، ومرويّة للظامئين بجرع الألطاف الخفيّة والجليّة.
ثمّ إنّ صورة مراتب الشوق والاخلاص التي هي وراء ما يتناهى بما لا يتناهي أظنّها هي لمنطبعة كما هي عليها في خاطركم الأقدس الأنور الذي هو لأسرار عوالم الوجود كمرآة مجلوّة ، ولغوامض أفانين العلوم ومعضلاتها كمصفاة مصحوّة.
وإنّكم لأنتم بمزيد فضلكم المؤمّلون لامرار المخلص على حواشي الضمير المقدّس المستنير ، عند صوالح الدعوات السانحات في منيّة الاستجابة ومظنّة الاجابة بسط الله ظلالكم وخلّد مجدكم وجلالكم ، والسلام على جنابكم الأرفع الأبهى ، وعلى من يلوذ ببابكم الأسمى ، ويعكف بفنائكم الأوسع الأسنى ، ورحمة الله وبركاته أبداً سرمداً. (١)
وقد كانا معاً موضع تقدير الشاه عبّاس واحترامه ، يسود بينهما الصفاء والودّ ، وقد ذكروا في كتب التراجم بعض القصص التي تمثّل هذا الصفاء الذي كان يسود بينهما.
__________________
١. سلافة العصر : ٤٧٨.