والى هذا الوجه أشار المحدث المتقدم ذكره بالدليل الثاني وهو عموم البلوى بذلك ومرجعه الى العمل بالبراء فالأصلية في مثل هذا الموضع كما تقدم ذكره في مقدمات الكتاب ، وقد وجهه في موضع آخر من كتابه المتقدم ذكره قال : فان جمعا غفيرا من أصحابهم (عليهمالسلام) منهم الأربعة آلاف رجل الذين هم أصحاب الصادق (عليهالسلام) وتلامذته كانوا ملازمين لهم في مدة تزيد على ثلاثمائة سنة وكان همهم وهم الأئمة (عليهمالسلام) إظهار الدين وترويج الشريعة وكانوا لحرصهم على ذلك يكتبون كل ما يسمعونه خوفا من عروض النسيان لهم وكان الأئمة (عليهمالسلام) يحثونهم على ذلك وليس الغرض منه إلا العمل بذلك بعدهم ، ففي مثل ذلك يجوز التمسك بالبراءة الأصلية إذ لو كان ثمة دليل والحال كذلك لظهر.
على ان ما اعتمده هذا القائل ـ من ان يقين النجاسة لا يرتفع إلا بيقين الطهارة على إطلاقه ـ ممنوع :
(أما أولا) ـ فلعدم الدليل عليه والنصوص انما وردت بذلك بالنسبة إلى أصالة الطهارة والحلية لبناء الأحكام الشرعية على السهولة والسماحة ، وقياس النجاسة على ذلك قياس مع الفارق.
و (اما ثانيا) ـ فإنه منقوض بما ذهب اليه جمع من المحققين : منهم ـ المحدث المذكور من الحكم بطهارة الإنسان بمجرد الغيبة لأن معلومية الحدث من المكلف في اليوم والليلة بالبول والغائط مما لا سبيل إلى إنكاره فالحكم بنجاسته يقيني البتة فلو توقف الحكم بطهارته على يقين وجود ذلك لم يمكن الحكم بطهارة أحد من الناس بالكلية ولو اكتفى باخباره بالطهارة. فإنه لا يجوز الصلاة خلف الامام حتى يسأله عن ذلك ، وكذا لو رأى في ثوب أحد نجاسة مثلا ثم رآه بعد ذلك خاليا من تلك النجاسة فإنه لا يجوز له استعماله والصلاة فيه وان يقتدي بإمام يصلي فيه حتى يسأله عن ذلك ، واللوازم كلها باطلة إذ لا قائل بها ولا دليل عليها بل الأدلة على خلافها ظاهرة.