__________________
فضج الناس بالبكاء ، ومضى عمر محزونا مغلوبا على أمره ، فأتى أبا بكر وسأله أن ينطلق معه إلى الزهراء لعلهما يحاولان استرضاءها ...
واستأذنا عليها فلم تأذن لهما ، حتى جاء علي وأدخلهما فسلما ، لكنها أشاحت بوجهها عنهما واستدارت إلى الحائط معرضة مغضبة ...
واستطاع أبو بكر رضياللهعنه أن يجد صوته ويقول :
يا حبيبة رسول الله ، والله ان قرابة رسول الله أحب إليّ من قرابتي ، وإنك لأحب إليّ من عائشة ابنتي ، ولوددت يوم مات أبوك أني مت ولا أبقى بعده ، أفتراني أعرفك ، وأعرف فضلك وشرفك ، وأمنعك حقك وميراثك من رسول الله ، إلّا أني سمعته صلىاللهعليهوسلم يقول : لا نورث ، ما تركنا صدقة! ..
فقالت فاطمة : أرأيتكما ان حدثتكما حديثا عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، تعرفانه وتعملان به؟
قالا : نعم ...
قالت : نشدتكما الله ، ألم تسمعا رسول الله يقول : رضي فاطمة من رضاي ، وسخط فاطمة من سخطي ، فمن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني ، ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني ، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني؟ ..
أجابا : بلى ، سمعناه من رسول الله صلىاللهعليهوسلم ...
قالت : فاني أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني ، ولئن لقيت رسول الله لأشكوكما اليه ...
فارتاعا لما سمعا ، وخرج أبو بكر إلى الناس والدمع ينساب من مقلتيه ، فسألهم أن يقيلوه من بيعتهم ، لكنهم أبوا حتى لا تكون فتنة! ..
ولا يذكر المؤرخون ـ فيما قرأت ـ أن الزهراء قد حاولت بعد ذلك أن تسترجع ما فات ، وإنما الذي وعاه التاريخ أنها أسلمت نفسها للحزن ، فلم تر قط منذ مات أبوها صلىاللهعليهوسلم ، إلّا محزونة باكية ...
وعز العزاء وغلب الصبر ، ولم يبق لها من رجاء إلّا أن تلحق بأبيها كما بشرها قبل الرحيل ... وما أسرع ما لحقت به! ...
أصبحت يوم الاثنين ، الثاني من رمضان سنة إحدى عشرة ، فعانقت أهلها وملأت عينيها منهم ، ثم دعت إليها ام رافع مولاة أبيها عليه الصلاة والسلام ، فقالت لها بصوت واهن خفيض :
يا أمه ، اسكبي لي غسلا ..