__________________
فلا مزامير البادية ، ولا أغاني السمار شبع منها سمع الطفل ، ووجدان الشاب. لكأن المقادير كانت تدّخر سمعه ووجدانه ، لكلمات أخرى ستغير وجه الأرض ، ووجه الحياة. أجل لقد أدخر سمع الفتى وقلبه ، ليتلقى بهما كما لم يتلق أحد مثله آيات الله العلي الكبير. أرأيتم الآيات التي سمعناها من قبل؟
فلنتصور عليا وهو يسمعها طازجة مشرقة متألقة حديثة العهد بربها ، يرتلها رسول رب العالمين. ولكن لا فلن نستطيع أن نتصور ، أو حتى تخيّل. وحسبنا ونحن نطالع هذه الحياة أن نقدر على متابعة الكلمات التي تروي أنباءها وعجائبها.
في نور هذه الآيات المنزلة ، والتي كان الوحي يجيء بها تباعا ، قضى علي بن أبي طالب بواكير حياته النضرة ، يبهره نورها ويهزه هديرها. يسمع آية الجنّة يتلوها الرسول ، فكأنما الغلام الرشيد يراها رأي العين ، حتى ليكاد يبسط يمينه ليقطف من مباهجها وأعنابها. ويسمع آية النار ، فيرتعد كالعصفور دهمه إعصار ، ولو لا جلال الصلاة وحرمتها لولّى هاربا من لفح النار الذي يكاد يحسّه ويراه.
أما إذا سمع آية تصف الله في عظمته ، وجلاله ، أو آية تعاتب الناس على إشراكهم بالله ما ليس لهم به علم ، وجحودهم فضله ونعمته فعندئذ يتحول الغلام الراشد إلى ذوب تقى وحياء.
لقد أشرب قلبه جمال القرآن وجلاله وأسراره ، هذا الذي كان يشهد نزوله آية آية حتى صار جديرا بأن يقول وهو صادق : سلوني وسلوني وسلوني عن كتاب الله ما شئتم .. فو الله ما من آية من آياته إلا وأنا أعلم أنزلت في ليل أم في نهار. وحتى كان كما وصفه الحسن البصري رضياللهعنه : أعطي القرآن عزائمه وعلمه وعمله ، فكان منه في رياض مونقة وأعلام بينة. هذا هو علي بن أبي طالب. هذا هو الذي نرجو ألا نكون مغالين إذ وصفناه بأنه : ربيب الوحي. فطوال السنوات الأولى لنزول الوحي ، كان فتانا هناك ، يشهد نزوله ، ويسبق غيره في تلقيه من رسول رب العالمين. ويلقى سمعه ، وقلبه لأسراره وأنواره.
ولطالما شهدته شعاب مكة ، وهو ثاني اثنين الرسول عليهالسلام ، وعلي كرم الله