و «المأنس» ـ بفتح العين وكسرها ـ : محلّ الأُنس بالضمّ ، وهو ضد الوحشة ، أي المحلّ الذي كانت تأنس به نفسه.
والمراد بموطن رحله إلى آخره : مكّة شّرفها الله تعالى ، وقد كان يعزّ عليه صلوات الله عليه فراقها ، والهجرة عنها.
روي : إنّه لمّا خرج منها مهاجراً إلتفت إليها فظنّ أنّه لا يعود إليها ولا يراها بعد ذلك فأدركته رقّة وبكىٰ ، فأتاه جبرئيل عليه السلام وتلا عليه قوله تعالى : «إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ» (١) (٢).
وقيل : نزلت عليه حين بلغ الجحفة في مهاجرته ، وقد إشتاق إلى مولده ومولد آبائه وحرم إبراهيم عليه السلام ، فنزل جبرئيل عليه السلام فقال له : أتشتاق إلى مكّة؟ قال : نعم ، فأوحاها إليه (٣).
وروى عبد الله بن الحمراء : «إنّه سمع رسول الله صلى الله عليه واله وهو واقف على راحلته يقول مخاطباً مكّة : «والله إنّك لخير أرض الله ، وأحبّها إلى الله ، ولو لا إنّي اُخرجت منك ما خرجت» (٤).
تبصرة
قيل : في هذه الفقرات إشارة إلى أنّ مكّة شرّفها الله أفضل من سائر البقاع ، لأنّه صلى الله عليه واله أفضل الأنبياء ، فينبغي أن يكون موطنه ومنشأه ومولده ومأنسه أفضل الأماكن. وقد اختلف العلماء من العامّة في التفضيل بين مكّة والمدينة.
__________________
١ ـ القصص : ٨٥.
٢ ـ مجمع البيان : ج ٧ ـ ٨ ، ص ٢٦٨ ، نقلاً بالمعنى.
٣ ـ الدر المنثور : ج ٥ ، ص ١٣٩.
٤ ـ معجم البلدان : ج ٥ ، ص ١٨٣.