من يخبر عن حقوق
الناس بألفاظ مخصوصة على جهات مخصوصة فكلّ من عرف حال شخص فله أن يشهد عليه ، فإنّ
الشهادة : خبر قاطع ، وشهادة الأُمّة لا يجوز أن تكون موقوفة على الآخرة لأنّ
عدالتهم في الدنيا ثابتة بدليل «جَعَلْنٰكُمْ» بلفظ الماضي فلا أقلّ من
حصولها في الحال ، ثمّ رتّب كونهم شهداء على عدالتهم ، فيجب أن يكونوا شهداء في
الدنيا.
فإن قيل : لعلّ التحمّل في الدنيا ولكن
الأداء في الآخرة.
قلنا : المراد في الآية الأداء لأنّ
العدالة إنّما تعتبر في الأداء لا في التحمّل ، ومن هنا يعلم أنّ إجماعهم حجّة لا
بمعنى أنّ كلّ واحد منهم محقّ في نفسه بل هيئتهم الإجتماعيّة تقتضي كونهم محقّين ،
وهذا من خواصّ هذه الأُمّة.
ثمّ لا يبعد أن يحصل لهم مع ذلك الشهادة
في الآخرة فيجري الواقع منهم مجرى التحمّل لأنّهم إذا بيّنوا الحقّ عرفوا عنده من
القابل ومن الرادّ ثمّ يشهدون بذلك يوم القيامة كما أنّ الشاهد على العقود يعرف ما
الذي تمّ ، ثمّ يشهد بذلك عند الحاكم أو يكون المعنى : لتكونوا شهداء على الناس في
الدنيا فيما لا يصحّ إلّا بشهادة العدول الأخيار.
قال النيسابوري : قيل : الآية متروكة
الظاهر ، لأنّ وصف الأُمّة بالعدالة يقتضي إتّصاف كلّ واحد منهم بها ، وليس كذلك ،
فلابدّ من حملها على البعض ، فنحن نحملها على الأئمّة المعصومين ، سلّمناه لكن
الخطاب في جعلناكم للموجودين عند نزول الآية ، لأنّ خطاب من لا يوجد محال ، فالآية
تدلّ على أنّ إجماع أولئك حقّ لكنّا لا نعلم بقاء جميعهم بأعيانهم إلى ما بعد وفاة
الرسول فلا يثبت صحّة الإجماع وقتئذٍ.
واُوجيب : بأنّ حال الشخص في نفسه غير
حاله بالقياس إلى غيره ،