فقال بعضهم : إنّ السؤال في ذلك وهو إدخال الكبير مع كبره في الصغير مع صغره ، وإن كان من قبيل المتنافيين ، فكان حقيقة الجواب عنه أن يقال : إنّ هذا أمر محال ، والمحال غير مقدور عليه ، إذ لا ذات له ولا شيئيّة ، إلاّ أنّه عليه السلام عدل عنه إلى ما ذكره لقصور الأفهام العامّية عن إدراك ذلك الوجه ، فالذي أفاده عليه السلام وجه إقناعيّ مبناه على المقدّمة المشهورة لدى الجمهور : انّ الرّؤية بدخول المرئيّات في العضو البصري فاكتفى في الجواب بهذا القدر لقبول الخصم له وتسليمه إيّاه.
قال : والذي يدلّ على صحّة ما حملنا عليه غرض هذا الحديث ما رواه في كتاب التوحيد عن أبي عبد الله : قال : قيل لأمير المؤمنين عليه السلام : هل يقدر ربّك أن يدخل الدنيا في بيضة من غير أن تصغر الدنيا وتكبر البيضة؟
فقال : إنّ الله تعالى لا ينسب إلى العجز والذي سألتني لا يكون (١).
وهذا الحديث صريح في أنّ الذي سأله ذلك الرجل ، ممتنع بالذات محال ، والمحال لا شيئيّة له ، فليس بمقدور والله على كلّ شيء قدير ، ولو لم يكن معنى الروايتين الأولتين ما أوّلناهما به ، لكان بين الأخبار تناقض ، وجلّت أحاديثهم عليهم السلام عن أن يناقض بعضها بعضاً ، لعصمة الجميع عن الخطأ.
ومثل الحديث المروي عن أمير المؤمنين عليه السلام ، ما رواه في كتاب التوحيد أيضاً بسنده عن أبي عبد الله عليه السلام إنّه جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال له : أيقدر الله أن يدخل الأرض في بيضة ولا يصغّر الأرض ولا يكبّر البيضة؟
__________________
١ ـ التوحيد : ص ١٣٠ ، ح ٩.