وجاء الجيل الثاني ، وبذل جهودا مضنية كذلك معتمدا «الطرق» المأمونة والموثوقة ، متكبدا الصعوبات وراكبا الرحلات ، فاستدرك على الأوائل ما فاتهم ، سواء في الجمع ، أم في النظم ، فألفوا المعاجم ، والمستدركات ، والجوامع المتأخرة.
ووقف الناس في عصر متأخر على كل تلك الثروة الغالية ، للاستفادة والتزود في مجالات العلم والعمل.
وانقسم المتأخرون في التعامل مع الحديث المجموع :
فمنهم من استند إلى ما قام به الأقدمون من النقد والاختيار ، واقتنعوا بما توثق منه أولئك من كتب الحديث ومصادره ، ولم يحاولوا إجراء قواعد النقد عليها من جديد ، فأصبحوا ملتزمين بالتقليد لأولئك القدماء في هذا الأمر ، كما التزموا بتقليد الفقهاء الأربعة ، في آرائهم الفقهية ، والأحكام الشرعية ، وحصروا طرق معارفهم الدينية بما توصل إليه الأقدمون ، من دون تجاوز ، أو نقد!
ومنهم من عارض منهج التقليد في المصادر ، وهم طائفة ممن يلتزم بإطلاق سراح الفكر والنظر ليجول ويبدع ، ويقول بفتح باب الجد والاجتهاد في علوم الإسلام كافة.
وهؤلاء لا يلتزمون بالتقليد ، حتى في الفقه ومعرفة الأحكام ، ومصادر المعرفة كافة ، ومنها الحديث.
فليست لهم مذاهب فقهية معينة ومحددة يلتزمون بها ، بل يعملون بما يوصل إليه الاجتهاد.
وكذلك لا يلتزمون بما يسمى من الكتب «صحيحا» ، بل ينقدون أسانيد كل حديث يصل إلى مسامعهم ، معتمدين طرق النقد المعروفة عند علماء الحديث.
ولكل من الفريقين ـ أهل التقليد ، وأهل الاجتهاد ـ أدلته وحججه ، ومن اعتمد على دليل معتبر ، فهو معذور ومأجور على قدر جهده.