لكن الغريب والمؤسف : أنا نجد في عصرنا هذا شرذمة ممن تصدى للحديث الشريف بالنقد ، ولم يسلك مسلكا واضحا محددا في تعامله مع هذا المصدر ، الثر ، الغني ، من مصادر الفكر الإسلامي ، بل هو يتأرجح «بين التقليد والاجتهاد» في نقد الحديث :
فتارة يحاول أن يعرض أسانيد ما وصله من الأحاديث على طاولة النقد ، فيشرح عللها ، ويراجع كلمات علماء الرجال في شأن رواتها ، ويحاول المقارنة بين مدلولاتها ، ويوافق على ما يعقله ، ويسميه صحيحا ، ويحكم بالضعف بل الوضع على ما لا يدركه بعقله ، ويميز بين الحديث الصحيح وبين غيره حسب رأيه.
وبهذا يساير أهل الاجتهاد!
وتارة أخرى : يلجأ إلى كتب القدماء مما أسموها «الصحاح» ليستشهد بعملهم ، وإيرادهم للحديث على صحة حديث ما ، وبعدم وجود الحديث فيها على تضعيفه ، بل الحكم بوضعه.
وبهذا يكون من أهل التقليد!
ومن هؤلاء كاتب مقال «تراثنا وموازين النقد» المنشور في العدد العاشر من مجلة كلية «الدعوة الإسلامية» الليبية (٢).
__________________
(٢) لقد وقفت على هذا العدد من المجلة ، فوجدته مشحونا بالبحوث العلمية القيمة نذكر من أمثلتها :
بحث «التنوع في أساليب القرآن الكريم» في الصفحات ١٠ ـ ٣٤ ، فإنه بحث مبدع في عرض بلاغة القرآن ، ويتبنى الذوق والدقة.
بحث «منهج التقارب بين المذاهب الفقهية من أجل الوحدة الإسلامية» فإنه بحث إصلاحي قيم ، يعتمد الهدوء والمتانة في الأسلوب والعرض.
لكن مقال «تراثنا وموازين النقد» عكر صفو الجودة والإتقان في المجلة ، حيث إنه مقال :
معاد الموضوع ، مكرر في كتب ومجلات سابقة ، كما ستقف على ذلك ضمن عرضنا لما كتب في الموضوع.