ولكن هذه الغيبة لا يمكن أن تكون هي الفترة التي تولت فيها السيدة أم الشريفين أخذهما إلى الشيخ المفيد للتعليم ، إذ أن الشريف المرتضى ، وهو أكبر الأخوين ، كان قد بلغ الخامسة عشر من عمره في بدء هذه الغيبة ، ويكون قد تجاوزها كلما امتد زمن الغيبة ، وفي مثلها لا يقال لمثله أنه طفل صغير ، كما تنص عليه الرواية.
فلا بد وأن تكون هناك غيبة أخرى للشريف أبي أحمد عن بغداد تسبق هذه. والتي سبقتها هي التي وقعت في النصف الأخير من سنة ٣٦٦ / ٩٧٧ ، ففيها اضطر الشريف أبو أحمد إلى التوسط بين عز الدولة وعضد الدولة البويهيين ، ، وكان الأول هو الذي يحكم العراق ، وسار إليه عضد الدولة من فارس ، ووقعت بينهما الحرب ، فكانت الغلبة بها لعضد الدولة فاستولى على الأهواز والبصرة ، ولم تكن غيبة الشريف أبي أحمد للسفارة بينهما في عقد الصلح بقدر ما كان من إصرار عز الدولة في استرجاع غلام له كان قد أسره عضد الدولة فيمن أسر ، ولم يكن لعز دولة ابن بويه في العراق يوم ذاك سلو عنه ـ وهكذا تضعف الدول بمثل هذا النفسيات والانحطاط الخلقي ـ ثم اتصلت به الأحداث التي أعقبت هذه الحرب ، فكان الشريف يتنقل بين بغداد والبصرة وواسط. واستمر ذلك عدة شهور (٣١).
فلعل الشريف أبا أحمد هو الذي أشار إلى السيدة الجليلة أم الشريفين أن تتولى ذلك ، بعد أن كان يجهل يومذاك أن هذا الانشغال وهذه الغيبة متى ينتهيان.
خاصة وأن الشريف المرتضى كان قد بلغ الحادية عشرة من عمره وعلى أعتاب البلوغ والكبر ، ولا يصح والحال هذه إرجاء تعليمه إلى ما بعد.
__________________
(٣١) ابن مسكويه ، تجارب الأمم ، ٦ / ٣٧١ ـ ٣٧٦ ، الهمذاني ، تكملة تاريخ الطبري ـ الطبري ، ١١ / ٤٥٥ ـ ٤٥٦ ـ ، المنتظم ، ٧ / ٨٣ ـ ٨٤ ، ابن الأثير ، ٨ / ٦٧١ ـ ٦٧٣.