بِخَواطِرِهِمْ ، وقَدَّرُوكَ عَلَى الخِلْقَةِ المُخْتَلِفَةِ القُوَى بِقَرائحِ عُقُوْلِهِمْ.
وَأَشْهَدُ أَنَّ مَنْ سَاوَاكَ بِشَيْء مِنْ خَلْقِكَ فَقَدْ عَدَلَ بِكَ ، والعادِلُ بِكَ كَافِرٌ بِمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ مُحْكَمَاتُ آياتِكَ ، وَنَطَقَتْ عَنْهُ شَوَاهِدُ حُجَجِ بَيِّناتِكَ ، وَإنَّكَ أَنْتَ الله الَّذي لَمْ تَتَنَاهَ فِي العُقُولِ ، فَتَكُونَ في مَهَبِّ فِكْرِها مُكَيَّفاً ، وَلاَ في رَويَّاتِ خَوَاطِرِها مَحْدُوداً مُصَرَّفاً ... (٣٨)
ولا أُريد أنْ أشرح هذه الفِقْرَة من الخطبة والتي يشير فيها الإِمام ، عليه السلام ، إلى أسباب حدوث التشبيه والتجسيم عند المسلمين في نشأته الاُْولى «إذْ شَبَّهُوكَ بِأَصْنَامِهِمْ ...» وإنّما أقول : إنّ مَنْ يؤمن بهذا الكلام ـ وبغيره من أحاديث أئمّة أهل البيت ، عليهم السلام ـ كنصّ صادر من إمام معصوم ، له من الطاعة ما لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وقد قدَّمْتُ عقيدة الإِماميّة في الإِمامة والإِمام ، ليس من الطبيعي إذن ، إلاّ في حالات شاذّة ، أنْ يقول بالتشبيه والتجسيم إلاّ بصورة لا شعورية ... قال القاضي عبدالجبّار المعتزلي الشافعي :
«فأمّا أمير المؤمنين عليه السلام فخطبه في بيان نفي التشبيه ، وفي إثبات العَدْل أكثر من أن تحصى ...» (٣٩).
وقال أيضاً : «وأنت إذا نظرت في خطب أمير المؤمنين وجَدْتَها مشحونةً بنفي الرُّؤْية عن الله تعالى» (٤٠).
__________________
(٣٨) نهج البلاغة، شرح محمد عبده، ومحمد محيي الدين عبدالحميد، مطبعة الاستقامة، القاهرة، ١/١٦٣ ـ ١٦٤، وانظر البحار، ٧٧/٣١٨، وشرح ابن أبي الحديد ٦/٤١٣ ـ ٤١٥.
(٣٩) فضل الاعتزال وذكر المعتزلة /١٦٣.
(٤٠) شرح الاصول الخمسة /٢٦٨.