إليه ، ثم يأتي بالحديث من قبل نفسه! إن حديثكم هو شر الحديث ، وإن كلامكم هو شر الكلام.
من قام منكم ، فليقم بكتاب الله ، وإلا فليجلس ، فإنكم قد حدثتم الناس حتى قيل. «قال فلان ، وقال فلان» وترك كتاب الله (١٦).
إن ظاهر هذه الخطبة المنع عن حديث المتكلمين خلال القرآن ، ولم يصرح فيه بالمنع عن حديث رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لكن يمكن فهم المراد منه ، بعد ملاحظة أمور :
١ ـ إيراد ابن شبة لهذه الخطبة في سياق ما نقله من منع عمر للصحابة عن نقل الحديث والرواية عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
٢ ـ ظهور الخطبة ـ وخاصة الفقرة الأخيرة منها ـ في تأكيد عمر على ترك كل حديث ما سوى كتاب الله ، وهو نفس المقولة المعروفة عن عمر «حسبنا كتاب الله» ، ويؤدي مؤداها ، ومن الواضح أن عمر إنما كان يردد تلك المقولة «حسبنا كتاب الله» في مقابل الحديث وروايته ، كما يظهر من تعليله المنع عن الحديث بالمحافظة على القرآن وخوف تركه والاشتغال بغيره ، وهو ما عرفناه مكررا في أحاديثه التي تضمنت منع التدوين ، كقوله : إني لا البس كتاب الله بشئ أبدا» (١٧).
٣ ـ إن حسن الظن بالمحدثين ، وبالمسلمين في ذلك العصر ، يقتضي أن يكون الشئ الذي ينقله المحدثون خلال قراءتهم للقرآن الكريم ، وإلى جنب آياته ، وبحيث يقبله المسلمون إذا استمعوا إليه ، شيئا مقدسا ، وحقا ، لا كل كلام صدر من أي أحد ، وبأي محتوى!.
أفهل يعقل من معلمي القرآن ـ ولا بد أن يكون فيهم مجموعة من الصحابة إن لم يكن كلهم منهم ، ومجموعة من كبار التابعين ـ أن يقرأوا القرآن ، ويحدثوا الناس في أثناء تلاوتهم بأشياء باطلة ، وبأشياء تكون «شر الحديث» كما يعبر عنها عمر!!
__________________
(١٦) أخبار المدينة المنورة ٣ / ٨٠٠.
(١٧) تقييد العلم : ٤٩.