والسكون من المؤاخاة من حيث اختصاص كلّ واحد منهما بقبيل من المعربات ، لأنّ الجزم في الفعل نظير الجرّ في الاسم ، فلذلك جعل الكسر عوضا عن السكون عند الحاجة إلى الحركة ولا يعدل عن تحريكه بالكسر إلى الضمّ أو الفتح إلّا لمعارض يقتضي ذلك جوازا أو وجوبا ، والجواز قد يكون على السواء ، وقد يكون الأصل أولى ، وقد يكون المعدول إليه أولى ، أما الجواز على السواء فهو أن يكون ما بعد الساكن الثاني ضمة أصلية لفظا أو تقديرا في نفس الكلمة الثانية التي الساكن الثاني فيها ، فمثال الضمّة الأصلية لفظا ، قوله تعالى : (وَقالَتِ اخْرُجْ)(١) سقطت همزة الوصل فالتقى ساكنان الأول تاء قالت والثاني خاء اخرج ، وبعد الثاني الراء وهي مضمومة لفظا ضمّة أصلية فاستوى في تاء قالت الأمران أمّا الضمّ فلئلا يخرجوا من كسرة إلى ضمّة لازمة ولم يتعدوا بالساكن حاجزا ، وأمّا الكسر فعلى الأصل (٢).
ومن ذلك أيضا ما قرىء في هاتين الآيتين فالأولى : (أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ ارْكُضْ بِرِجْلِكَ)(٣) والثانية (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ادْخُلُوها)(٤) فإنه قرىء : وعذابن اركض ، وعيونن ادخلوها بتحريك نون تنوين عذاب ونون تنوين عيون بالضمّ لالتقاء الساكنين ، وهما التنوين / المذكور وراء اركض ودال ادخلوها ، واستوى في تحريك التنوين الأمران ؛ أعني الضمّ والكسر ، أما الضمّ فلاتباع ضمّة كاف اركض وخاء ادخلوها ، وأمّا الكسر فعلى الأصل (٥) ومثال الضمّة الأصلية تقديرا ضمّة زاي
__________________
(١) من الآية ٣١ من سورة يوسف.
(٢) قرأ ابن كثير والكسائي ونافع وابن عامر وقالت اخرج بضم التاء. وقرأ أبو عمرو وعاصم وحمزة وقالت اخرج بكسر التاء الكشف ، ١ / ٢٧٤ والسبعة ٣٤٨ والنشر ٢ / ٢٢٥ والبحر المحيط ، ١ / ٤٩٠.
(٣) الآيتان ٤١ ـ ٤٢ من سورة ص ونصهما : إذ نادى ربّه أنّي مسّني الشيطان ينصب وعذاب ، اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب.
(٤) الآيتان ٤٥ ـ ٤٦ من سورة الحجر.
(٥) قال صاحب النشر ، ٢ / ٢٢٥ «واختلفوا في كسر التاء من وقالت اخرج والتنوين من وعيون ادخلوها مما اجتمع فيه ساكنان يبتدأ ثانيهما بهمزة مضمومة ، فقرأ عاصم وحمزة بكسر الساكن الأول وقرأ الباقون بالضم في ذلك كله ، واختلف عن ابن ذكوان وقنبل في التنوين فروي عن الأخفش كسره مطلقا حيث أتى» وفي الاتحاف ٢٧٥ «وكسر تنوينه (أي تنوين عيون) أبو عمرو وقنبل وابن ذكوان بخلفهما ، وعاصم وحمزة وروح ، وقرأ رويس بضم تنوين عيون وكسر خاء ادخلوها مبنيا للمفعول» وقال في ٣٧٢ وقرأ بكسر تنوين عذاب اركض أبو عمرو وقنبل وابن ذكوان بخلفهما ، وعاصم وحمزة وصلا» وقال سيبويه ،