وعن عمر بن الخطاب (رض) أنه حين خطب الأزدية أتى أهلها فقال لهم : خطب إليكم سيد شباب قريش مروان بن الحكم ، وسيد أهل المشرق حسن بن بجيلة ويخطب إليكم أمير المؤمنين ـ عنى نفسه ـ.
وعلم بهذه الصفة أن من حق العبادة أن يخص بها العباد ربهم ومالكهم ، ومن يتولى معايشهم ومهالكم ، وعرض بخطأ من سفه نفسه ونقض قضية لبه ، وعبد مربوبا وترك عبادة ربه.
وقال : «إن شانئك» فعلل الأمر بالإقبال على شأنه ، وقلة الاحتفال بشنآنه ، على سبيل الاستئناف ، الذي هو جنس حسن الموقع رائعه ، وقد كثرت في التنزيل مواقعه ، ويتجه أن يجعلها جملة للاعتراض ، مرسلة إرسال الحكمة لخاتمة الأغراض ، كقوله تعالى : «إن خير من استأجرت القوي الأمين» (١١٠).
وعنى بالشانئ السهمي المرمي بسهمه ، وإنما ذكره بصفته لا باسمه ، ليتناول كل من كان في مثال حاله ، من كيده بدين الحق ومحاله ، وفيه أنه لم يتوجه بقلبه إلى الصدق ، ولم يقصد به الافصاح عن الحق ، ولم ينطق إلا عن الشنآن الذي هو توأم البغي والحسد ، وعن البغضاء التي هي نتيجة الغيظ والحرد (١١١) ، وكذلك وسمه بما ينبئ عن المقت الأشد ، ويدل على حنق الخصم الألد ، وعرف الخبر ليتم له البتر ، كأنه الجمهور (١١٢) الذي يقال له الصنبور ، وأقحم الفصل لبيان أنه المعين لهذه النقيضة ، وأنه المشخص لهذه الغميصة (١١٣) ، وذلك كله مع علو مطلعها ، وتمام مقطعها (١١٤) ، ومجاوبة عجزها لهاديتها (١١٥) ،
__________________
(١١٠) سورة القصص ٢٨ : ٢٦.
(١١١) الحرد : الغضب. «تاج العروس ـ حرد ـ ٢ : ٣٣٤».
(١١٢) كذا.
(١١٣) يقال : اغتمصت فلانا اغتماصا : احتقرته «لسان العرب ـ غمص ـ ٧ : ٦١».
(١١٤) مقاطع القرآن : مواضع الوقوف.
(١١٥) في الحديث : «طلعت هوادي الخيل» يعني أوائلها ، والهادي والهادية : العنق : لأنها تتقدم على البدن ، ولأنها تهدي الجسد. «النهاية ـ هدا ـ ٥ : ٢٥٥».