لترك المبالاة بقول ابن وائل ، وامتثال قول الله عز من قائل ، وقصد باللامين (١٠٥) التعريف بدين العاص وأشباهه ، ممن كانت عبادته ونحره لغير إلهه ، وتثبيت قدمي رسول الله على صراطه المستقيم ، وإخلاصه العبادة لوجهه الكريم ، وأشار بهاتين العبادتين إلى نوعي العبادات ، وصنفي الطاعات ، أعني الأعمال البدنية التي الصلاة إمامها ، والمالية التي نحر البدن سنامها ، ونبه على ما لرسول الله من الاختصاص بالصلاة التي جعلت لعينه قرة (١٠٦) وبنحر البدن التي كانت همته بها المشمخرة.
روينا بالإسناد الصحيح أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أهدى مائة بدنة فيها جمل لأبي جهل في أنفه برة (١٠٧) من ذهب (١٠٨).
وحذف اللام الأخرى لدلالته عليها بالأولى ، مع مراعاة حق التسجيع ، الذي هو من جملة صنعة البديع ، إذا ساقه قائله مساقا مطبوعا ، ولم يكن متكلفا أو مصنوعا ، كما ترى اسجاع القرآن وبعدها عن التعسف ، وبراءتها من التكلف.
وقال : «لربك» ، وفيه حسنان ، وروده على طريقة الالتفات (١٠٩) التي هي أم من الأمهات ، وصرف الكلام عن لفظ المضمر إلى لفظ المظهر ، وفيه إظهار لكبرياء شأنه ، وانافة لعزة سلطانه ، ومنه أخذ الخلفاء قولهم : يأمرك أمير المؤمنين بالسمع والطاعة ، وينهاك أمير المؤمنين عن مخالفة الجماعة.
__________________
(١٠٥) أي بلام «لربك» ، واللام المحذوفة في قوله «وانحر» أي وانحر له ، كما سيصرح بذلك «ه م».
(١٠٦) إشارة إلى قوله صلىاللهعليهوآله : حببت إلي من الدنيا ثلاث : النساء ، والطيب ، وجعلت قرة عني في الصلاة. «الخصال : ١٦٥ / ٢١٨».
(١٠٧) البرة : حلقة تجعل في لحم الأنف ، وربما كانت من شعر. «النهاية ـ بره ـ ١ : ١٢٢».
(١٠٨) أخرجه البيهقي في سننه ٥ : ٢٣٠.
(١٠٩) قال ابن حمزه العلوي في الطراز ٢ : ١٣٢ : الالتفات : هو العدول من أسلوب في الكلام إلى أسلوب آخر مخالف للأول ، وهذا أحسن من قولنا : هو العدول من غيبة إلى خطاب ، ومن خطاب إلى غيبة ، لأن الأول يعم سائر الالتفاتات كلها ، والحد الثاني إنما هو مقصور على الغيبة والخطاب لا غير ، ولا شك أن الالتفات قد يكون من الماضي إلى المضارع وقد يكون على عكس ذلك فلهذا كان الحد الأول هو أقوى دون غيره.