شئ ، دليلا قاطعا على تمام المعجزة ، وشاهد صدق لصحة النبوة بظهور المعجزة ، على أن عداوة المتحدي هي العجز بعينه ، والتقصير بذاته ، لأن كل ذي منقبة إذا توقل (٧١) في مرتبة قد عجز عنها مدعوها ، ولم يقدروا أن يطلعوها ، كان نتيجة عجزهم أن يشتملوا على الغيظ والضجر ، وقرينة تقصيرهم أن يقصدوه بالنكاية والضرر ، وأن يقشوروه (٧٢) بالعصا ويرجموه بالحصا.
والذي طولبوا به فعجزوا عنه هو الإتيان بسورة لو كتبت بين السور ، لم تكن مشخلبة (٧٣) بين الدرر ، ولكن كواحدة منهن في حسنها وبهائها ، ونورها وضيائها ، وبيانها الباهر ، وديباجها الفاخر ، حتى لو عرضت على صيارفة المنطق ونقاده ، المميز بين زيوفه وجياده ، لقالوا هي منها بالقرب ، لم يقولوا ليس عليها أبهة دار الضرب ، والجهة التي أتاهم العجز عنها امتياز السورة عن هذه الأجناس ، التي تتقلب في أيدي الناس ، من خطب يحبرونها (٧٤) ، وقصائد يسيرونها ، ورسائل يسطرونها ، كما أن كل واحد من هذه الأجناس له حيز ، وبعضها عن بعض متميز ، وكل مستبد بطريق خاص إليه ينتحي وإياه ينتهج ، ومثال ومنوال عليه يحتذي وعليه ينتسج ، فلو تحدي الرجل بقصيدة شاعرة فجاء بخطبة باهرة أو رسالة نادرة ، أو تحدي بخطبة أو رسالة غراء فعارض بقصيدة حذاء (٧٥) ، لم يكن على شاكلة التحدي عاملا ، ونسب إلى قلة التهدي عاجلا ، وتمثل له بقوله :
شكونا إليه خراب السواد |
|
فحرم فينا لحوم البقر |
__________________
(٧١) التوقل : الاسراع في الصعود «النهاية ـ وقل ـ ٥ : ٢١٦».
(٧٢) قشوره بالعصا : ضربه «القاموس المحيط ـ قشر ـ ٢ : ١١٧».
(٧٣) قال الليث : مشخلبة كلمة عراقية ليس على بنائها شئ من العربية ، وهي تتخذ من الليف والخرز أمثال الحلي «لسان العرب ـ شخلب ـ ١ : ٤٨٦».
(٧٤) يقال حبرت الشئ تحبيرا إذا حسنته «النهاية ـ حبر ـ ١ : ٣٢٧».
(٧٥) الحذو : من أجزاء القافية ، حركة الحرف الذي قبل الردف ، يجوز ضمته مع كسرته ولا يجوز مع الفتح غيره ، قاله ابن منظور في «اللسان ـ حذا ـ ١٤ : ١٧٠» عن ابن سيده.