وقال الوليد بن المغيرة المخزومي (٦٦) : والله لقد نظرت فيما قال هذا الرجل ، فإذا هو ليس بشعر ، وإن له لحلاوة ، وإن أعلاه لمثمر ، وإن أسفله لمعذق (٦٧) ، وإنه ليعلو وما يعلى (٦٨).
وبلغنا أن أعرابيا صلى خلف ابن مسعود (٦٩) رضياللهعنه فتعتع في قراءته ، فقال الأعرابي : ارتبك الشيخ ، فلما قضى ابن مسعود صلاته ، قال : يا أعرابي إنه والله ما هو من نسجك ولا من نسج آبائك ، ولكنه عزيز من عند عزيز نزل ، وهو الحمال ذو الوجوه ، والبحر الذي لا تنقضي عجائبه. قال الله لموسى عليهالسلام : إنما مثل كتاب محمد في الكتب كمثل سقاء فيه لبن كلما مخضته استخرجت زبده.
فحينما عجزوا عن المماتنة (٧٠) ، فزعوا إلى المفاتنة ، ولما لم يقدروا على المقابلة أقبلوا على المقاتلة ، فكان فزعهم إلى شئ ، ليس من المتحدى فيه في
__________________
(٦٦) الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم ، أبو عبد شمس ، من قضاة العرب في الجاهلية ، ومن زعماء قريش ، ومن زنادقتها ، أدرك الإسلام وهو شيخ هرم فعاداه وقاوم دعوته ، ذكره ابن الأثير في الكامل تحت عنوان : ذكر المستهزئين ومن كان أشد الأذى للنبي (صلىاللهعليهوآله) ، وهو والد خالد بن الوليد ، هلك بعد الهجرة بثلاثة أشهر وهو ابن خمس وتسعين سنة ، ودفن بالحجون ، أنظر «الكامل في التاريخ ٢ : ٧١ ، الأعلام ٨ : ١٢٢».
(٦٧) أي له شعب وجذور ، وفي بعض المصادر : لمغدق ، وهو من الغدق أي الماء الكثير ، وفي بعضها الآخر : لعذق ، والعذق : النخلة ، وهو استعارة من النخلة التي ثبت أصلها.
(٦٨) ورد باختلاف في لفظه في دلائل النبوة ٢ : ١٩٨ ، تأريخ الإسلام : ١٥٥ ، السيرة النبوية ١ : ٢٨٩ ، الوفا بأحوال المصطفى : ٥٥ ، وأخرجه الحاكم النيسابوري في مستدركه ٢ : ٥٠٦ ، عن ابن عباس ، وقال : هذا حديث صحيح الإسناد على شرط البخاري ، ولم يخرجاه.
(٦٩) عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي ، أبو عبد الرحمن ، من صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) السابقين إلى الإسلام ، وولي بعد وفاة النبي (صلىاللهعليهوآله) بيت مال الكوفة ، ثم قدم المدينة في خلافة عثمان ، فتوفي فيها عن نحو ستين عاما في سنة ٣٢ ه.
أنظر «الإصابة في تمييز الصحابة ٢ : ٣٦٨ / ٤٩٥٤ ، تهذيب التهذيب ٦ : ٢٤ / ٤٣ ، معجم رجال الحديث ١٠ : ٣٢٢ / ٧١٦٠ ، الأعلام ٤ : ١٣٧».
(٧٠) المماتنة : المعارضة في جدل أو خصومة «تاج العروس ـ متن ـ ٩ : ٣٤٠».