فكنا كما قال من قبلنا |
|
أريها السها (٧٦) وتريني القمر (٧٧) |
ذلك أن الشعر كلام ذو وزن وقري (٧٨) ، وقافية وروي ، أكثره تمويهات وتخاييل ، وأكاذيب وأباطيل ، ومن ثم سموه سحرا ، وزعموا أن لكل شاعر جنيا ، وأنه معه رئيا ، وأن ذلك الجني يخطره بجنانه ويلقنه إياه ويلقيه على لسانه.
والخطب والرسائل لا يمس طنب القريض أطنابها ، ولا تقرع يده أبوابها ، والسورة أبعد شوطا منها في التميز ، وأعلى فوقا في المباينة والتحيز ، بديباجتها الخاصة وذوقها وندائها على أن لا منظوم بطوقها ، وعلى أنها ليست من القريحة ، المعتصر لها ثرى السجيحة (٧٩) ، المستعان فيه بالرؤية والفكر ، المستملى من لسان الزكن (٨٠) والحجر (٨١) ، وأن مثلها معه مثل الحيوان الذي هو تسوية الله وتقديره ، مع التماثيل التي هي نقش المصور وتصويره ، عليها ضياء الجلالة الربانية ، وسيمياء (٨٢) الكتب السماوية ، وأبهة المسطور في اللوح المنزل في اللوح (٨٣) وآئين (٨٤) الملقن منه وهو
__________________
(٧٦) السها : كويكب صغير خفي الضوء في بنات نعش الكبرى ، والناس يمتحنون به أبصارهم «لسان العرب ـ سها ـ ١٤ : ٤٠٨».
(٧٧) مثل سائر ، ذكره الميداني في مجمع الأمثال ١ : ٢٩١ / ١٥٤٥ ، تحت عنوان «أريها استها وتريني القمر» وذكر قصته ، وقال : وبعضهم يرويه «أريها السها وتريني القمر» ، يضرب لمن يغالط فيما لا يخفى.
(٧٨) قال الزمخشري وغيره : أقراء الشعر : قوافيه التي يختم بها ، كأقراء الطهر التي ينقطع عندها ، الواحد قرء ، وقرء ، وقري ، لأنها مقاطع الأبيات وحدودها. «النهاية ـ قرا ـ ٤ : ٣٢».
(٧٩) السجيحة : الطبيعة «الصحاح ـ سجح ـ ١ : ٣٧٣».
(٨٠) الزكن والإزكان : الفطنة ، والحدس الصادق. «النهاية ـ زكن ـ ٢ : ٣٠٧».
(٨١) الحجر : العقل واللب ، لإمساكه ومنعه وإحاطته بالتمييز ، وفي التنزيل : هل في ذلك قسم لذي حجر. «لسان العرب ـ حجر ـ ٤ : ١٧٠».
(٨٢) السومة والسيمة والسماء والسيمياء : العلامة. «لسان العرب ـ سوم ـ ١٢ : ٣١٢».
(٨٣) اللوح الأول بالفتح : هو اللوح المحفوظ ، والثاني بالضم : الهواء. «لسان العرب ـ لوح ـ ٢ : ٥٨٥».
(٨٤) آئين : كلمة فارسية بمعنى الزينة ، استعملها الجاحظ في البخلاء في قصة محمد بن أبي المؤمل فيما حكاه عن لسانه : وكانوا يعلمون أن إحضار الجدي إنما هو شئ من آئين الموائد الرفيعة.