وسمعت أنا كوفيا يسأل بدويا عن ماوان (٥٩) وقد شارفناها ، فقال : هي ميهة. فقال الكوفي : أمية مما كانت؟ قال : إي والله أموه مما كانت. كأنه يصححها عليه.
ورأيت الخلق في المسجد الحرام يترادون الكلام في اللغات الفصحى ، ويتعادون من له في ميدان البلاغة الخطا الفسحى ، ويتذاكرون الكلمات التي تزيغ فيها الحاضرة (٦٠) عن السنن ولا ينقحونها من العجر (٦١) والأبن (٦٢) كأن أفواههم للحكمة ينابيع ، وهم على ذلك مطابيع.
هذا ، ولما سمعت العرب القرآن المجيد ملأت الروعة قلوبهم وملكت نفوسهم ، وهز الاستعجاب مناكبهم ، وأنغض رؤوسهم ، وبقي أذلقهم لسانا ، وأعرقهم بيانا ، كالمحجوج إذا أبكتته الحجة ، فأخذته الرجة ، وكالياسر إذا أصبح مقمورا مقهورا ، فقعد مبهوتا مبهورا ، وكالصريع إذا عن له من لا يبالي بصراعه ، وكالمرتبع (٦٣) إذا غلبه من لا يلتفت إلى ارتباعه ، ولقد قابلوه بأفصح كلامهم ، فقال منصفوهم : جرى الوادي فطم على القري (٦٤) ، ومن يعبأ بالعباء مع الوشي العبقري (٦٥).
__________________
(٥٩) ماوان : واد فيه ماء بين الفقرة والربذة فغلب عليه الماء فسمي بذلك الماء ماوان. قال في المعجم : فأما ماوان السنور فليس بينه وبين مساكن العرب مناسبة ولعل أكثرهم ما يدري ما السنور : وهي قرية في أودية العلاة من أرض اليمامة ، أنظر «معجم البلدان ٥ : ٤٥ ، مراصد الاطلاع ٣ : ١٢٢٢».
(٦٠) أي أهل الحضر لأنهم مظنة اللحن.
(٦١) العجر : جمع عجرة ، وهي العقدة في عود وغيره ، ويقال : في كلامه عجر فيه وتعجرف أي جفوة «أساس البلاغة ـ عجر ـ ٢٩٤».
(٦٢) الأبن : العقد تكون في القسي تفسدها وتعاب بها «النهاية ـ ابن ـ ١ : ١٧».
(٦٣) ربع الحجر وارتباعه إشالته ورفعه لإظهار القوة «النهاية ـ ربع ـ ٢ : ١٨٩».
(٦٤) مثل سائر ، معناه : جرى سيل الوادي فطم ، أي دفن ، يقال : طم السيل الركية : أي دفنها ، والقري : مجرى الماء في الروضة ، والجمع أقرية وقريان و «على» من صلة المعنى : أي أتى على القري ، يعني أهلكه بأن دفنه ، أنظر «مجمع الأمثال ١ : ١٥٩ / ٨٢٣».
(٦٥) الوشي من الثياب معروف ، والعبقري : الديباج ، أنظر «الصحاح ـ وشي ـ ٦ : ٢٥٢٤ ، النهاية ـ عبقر ـ ٣ : ١٧٣».