وأما ثانيا فلان قوله : لو كان كذلك لجاء الله بقوم يحاربهم ويقهرهم ويردّهم إلى الدّين الحقّ إلخ. مردود : بأنّه لا دلالة للآية على أنّ الله تعالى يأتي بقوم يحارب المرتدّين ويقهرهم بالسّيف والسنّان كما يشعر به كلام هذا المسمّى بالإمام ، وانما صريح مدلول الآية : أنّه يأتي في مقابل المرتدّين بقوم راسخين في الدّين مؤيّدين بالحق واليقين أعمّ من أن يقع بينهما قتال أم لا ، فجاز أن يأتي الله تارة بقوم ينصرون الدّين ويقاتلون المرتدّين بالسّيف والسّنان وتارة بقوم منصورين بالحجّة والبرهان. نعم لما حمل أهل السّنة الآية على ذلك أجابت الشّيعة على سبيل مجاراة (١) الخصم بأنّه جاز أن يكون المراد بها عليا عليه آلاف التّحيّة والثّناء على هذا التّقدير أيضا لأنّه قاتل المرتدّين من النّاكثين (٢) والقاسطين والمارقين فقوله : فهي تدلّ على أنّ كلّ من صار مرتدا عن دين الإسلام فانّ الله يأتي بقوم يقهرهم ويبطل شوكتهم مردود كما ترى ، وكذلك قوله : لوجب بحكم الآية أن يأتي الله بقوم يقهرهم ويبطل مذهبهم لما عرفت انّ حكم الآية أعمّ من ذلك اللهم إلّا أن يراد بقهرهم وإبطال مذهبهم إقامة الحجة والبرهان دون استعمال السّيف والسّنان وهذا حاصل بحمد الله تعالى للشّيعة أيّدهم الله بنصره في ساير (٣) الأزمنة ، ولهذا ترى هذا المتسمّى
__________________
يموت هو وأصحابه في نفس واحد فيأتيهم ريح طيبة تأخذهم من تحت آباطهم يجدون لها لذة كلذة الوسنان الذي قد جهده السهر وأتاه في السحر العسيلة سميت بذلك لحلاوتها فيجدون للموت لذة لا يقدر قدرها ثم يبقى بعدهم رعاع كغثاء السيل أشباه البهائم فعليهم تقوم الساعة. انتهى ما أهمنا نقله من كلام العارف الشعراني في اليواقيت وفيه كفاية لمن تيقظ وتدبر.
(١) إشارة إلى ما اصطلح عليه علماء البلاغة وعبروا عنه بتعابير مختلفة : منها أنه عبارة عن بعض مقدمات الخصم كى يلزم ، ومنها ما عن بعض من أنه المداراة مع الخصم كى تتم عليه الحجة ويتضيق المحجة إلى غير ذلك من العبائر.
(٢) قد مر المراد بهذه العناوين مرارا فراجع.
(٣) السائر هنا بمعنى الجميع مشتق من سور البلد لا بمعنى الباقي المشتق من السؤر وقد