ذلك ويقول : إنّ هذا المطلب لا يتمّ بالاستدلال وإنّ المحقّق قدسسره أثبته في التجريد بدعوى البداهة حيث قال : ولا تتصوّر الأولويّة الذاتيّة وغفل عن ذلك الشّارحون وحملوا كلامه على إرادة الاستدلال ، وذكروا في تقرير ما استدلّ به من تقدّمه من العلماء ، فيتوجّه عليه ما يتوجّه عليهم ، ويتوجه عليه أيضا أنّ المفروض كفاية المرجّح الأوّل لترجيح الوجود في جميع أوقاته على العدم فيه ولم يلزم من البيان الاحتياج إلى مرجّح آخر لهذا التّرجيح ، بل إنّما يحتاج إليه لترجيح الوجود في بعض أوقات المرجّح الأوّل على الوجود في بعض آخر منها وأين هذا من ذاك؟ تأمّل.
قال المصنّف رفع الله درجته
الثالث ؛ لم لا يوقعه القادر مع التّساوي؟ فانّ القادر يرجّح أحد مقدوريه على الآخر من غير مرجّح ، وقد ذهب إلى هذا جماعة من المتكلّمين (١) وتمثّلوا في ذلك بصور وجدانيّة كالجائع يحضره رغيفان متساويان من جميع الوجوه ، فانّه يتناول أحدهما من غير مرجّح ولا يمتنع من الأكل حتّى يترجّح لمرجّح والعطشان بحضره إناءان متساويان من جميع الوجوه ، والهارب من السّبع إذا عنّ (٢) له طريقان متساويان فانّه يسلك أحدهما ، ولا ينتظر حصول المرجّح ، وإذا كان هذا الحكم وجدانّيا كيف يمكن الاستدلال على نقيضه!؟ الرابع أنّ هذا الدّليل ينافي مذهبهم فلا يصحّ لهم الاحتجاج به لأنّ مذهبهم أنّ القدرة لا تصلح للضدّين فالمتمكّن من الفعل يخرج عن القدرة (فالتمكّن من الفعل يخرجه عن القدرة خ ل) لعدم التمكّن من التّرك ، وإن خالفوا مذهبهم من تعلّقها بالضدّين لزمهم وجود
__________________
(١) وهم قدماء المعتزلة كما في شرح قواعد العقائد.
(٢) عن : ظهر.