الضدّين دفعة واحدة ، لأنّ القدرة لا تتقدّم على الفعل المقدور عندهم ، وإن فرضوا للعبد قدرة موجودة حال وجود قدرة الفعل لزمهم إمّا اجتماع الضدّين أو تقدّم القدرة على الفعل ، فانظر إلى هؤلاء القوم الذين لا يبالون في تضادّ أقوالهم وتعاندها «انتهى».
قال النّاصب خفضه الله
أقول : اتّفق العقلاء على أنّ الممكن لا يترجّح أحد طرفيه على الآخر إلّا لمرجّح والحكم بعد تصوّر الطرفين أى تصوّر الموضوع الذي هو إمكان الممكن وتصوّر المحمول الذي هو معنى كونه محوجا إلى السّبب ضروري بحكم بديهة العقل بعد ملاحظة النسبة بينهما ، ولذلك يجزم به الصبيان الذين لهم أدنى تميز ، ألا ترى؟ أنّ كفّتي الميزان إذا تساوتا لذاتيهما وقال قائل : ترجّحت إحداهما على الأخرى بلا مرجّح من خارج لم يقبله صبيّ مميّز وعلم بطلانه بديهة فالحكم بأنّ أحد المتساويين لا يترجّح على الآخر إلا بمرجح مجزوم به عنده بلا نظر وكسب بل الحكم مركوز في طبائع البهائم ، ولهذا تراها تنفرّ من صوت الخشب ، وما ذكر من الأمثلة كالجائع في اختيار أحد الرّغيفين وغيره فانّه لما خالف الحكم البديهيّ يجب أن يكون هناك مرجّح لا يعلمه الجائع والعلم بوجود المرجح من القادر غير لازم بل اللّازم وجود المرجح ، وأما دعوى كونه وجدانيا مع اتّفاق العقلاء بأنّ خلافه بديهيّ دعوى باطلة كسائر دعاويه والله أعلم. وأما قوله في الوجه الرابع : أنّ هذا الدّليل ينافي مذهبهم فلا يصحّ لهم الاحتجاج به ، لأنّ مذهبهم أنّ القدرة لا تصلح للضّدين إلخ فنقول في جوابه : عدم صلاحيّة القدرة للضدّين لا يمنع صحّة الاحتجاج بهذه الحجّة ، فإنّ المراد من الاحتجاج نفى الاختيار عن العبد وإثبات أنّ الفعل واجب الصّدور عنه وليس له التّمكّن من التّرك وذلك يوجب نفى الاختيار ، فإذا كان المذهب أنّ القدرة لا تصلح للضدين وبلغ الفعل حدّ الوجوب لوجود المرجّح الموجب ، لم يكن العبد قادرا على